وائل منسي يكتب: موازنة 2026: إصلاح على حافة الهاوية

{title}
نبأ الأردن -
بين جدران البرلمان، ظهرت موازنة 2026 كوثيقة تعكس مأزقاً اقتصادياً واجتماعياً يتجاوز مجرد أرقام وجداول، فالحكومة ترفع مخصصات الرواتب والتقاعد بنسبة 4.3% بدافع تحريك السوق وتعزيز القدرة الشرائية، بينما يشتكي النواب من غياب الرؤية وتكرار النهج ذاته رغم تضخم المديونية إلى مستويات خانقة.
بدا النقاش كأن الدولة تقف أمام سؤال مصيري: هل يمكن الخروج من أسر النفقات الجارية نحو اقتصاد إنتاجي قادر على خلق القيمة والتنمية؟ أرقام الموازنة، التي تبتلع الرواتب فيها نحو 60% من الإنفاق الجاري، توضح أن وثيقة العام القادم ما تزال تميل إلى كونها "تشغيلية" أكثر من كونها "تنموية"، وأن تحسين الدخول لن يكون كافياً ما دام الاستثمار الحقيقي في القطاعات المنتجة غائباً أو مؤجلاً.

وفي الوقت الذي يجري فيه التباهي بانخفاض البطالة عبر ضم العاملين في القطاع غير المنظم، تتصاعد الانتقادات التي تُذكر بأن هذه فرص هامشية لا تبني اقتصاداً ولا تستجيب لطموحات شباب يحملون شهاداتهم دون أن يجدوا مكاناً يضيفون فيه قيمة حقيقية. وبينما يشكو النواب من غياب الرؤية الاقتصادية، يسطع نموذج مختلف تماماً في مركز سميح دروزة للأورام الذي جمع وزارة الصحة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومركز الحسين للسرطان في شراكة ذكية أحدثت نقلة نوعية في الخدمة، مؤكداً أن القدرة على الإنجاز لا تحتاج سوى إرادة سياسية وتصميم مهني يحرر الإدارة من ثقل البيروقراطية.

هذا التباين يفضح معضلة الموازنة: أفكار إصلاحية جريئة تُطرح تحت القبة مثل دمج أصول الدولة في كيان استثماري مستقل، وتفعيل الصناديق السيادية، وتوليد الدخل بعيداً عن عباءة الاقتراض والضرائب، لكنها تبقى رؤى منفصلة في غياب موقف موحد داخل الكتل والأحزاب، إذ يتحدث كل نائب كأنه يمثل نفسه رغم انتمائه إلى إطار سياسي كان يفترض أن يصوغ موقفاً واحداً يعكس قوة مؤسسية حقيقية. كما تبدو عملية النقاش سطحية قياساً بحجم التحديات، إذ تُناقش الموازنة بصورة عامة دون المرور عبر اللجان التخصصية التي تمتلك القدرة على تقييم كل بند بعمق وبمشاركة خبراء القطاعات المختلفة، ما يحرم البرلمان من فرصة تحويل الجدال إلى تفاوض مبني على تحليل فني ورؤية قطاعية واضحة.
وبرغم هذا الارتباك، تظهر ملامح طريق يمكن السير فيها، من إصدار صكوك استثمارية لمشاريع البنية التحتية وتوسيع القاعدة الضريبية دون رفع النسب، إلى إطلاق أدوات ادخار للمغتربين واستثمار أصول الدولة عبر صندوق سيادي وإعادة هيكلة المؤسسات المكررة واعتماد شراكات ذكية في التعليم المهني والطاقة والبنية الرقمية. في النهاية، تكشف موازنة 2026 عن صراع بين من يرى الاستقرار في استمرار الصرف على الرواتب وبين من يدرك أن هذا النهج لم يعد ممكناً في ظل اقتصاد يحتاج إلى جرأة في تغيير النموذج قبل تغيير الأرقام. التجارب الناجحة تثبت أن الأردن قادر على القفز للأمام إذا تحولت هذه الاستثناءات إلى سياسة عامة، وإذا تحوّل النقاش من ردود فعل متفرقة إلى حوار وطني حول مستقبل الاقتصاد.
فالموازنة ليست نهاية المطاف، بل يجب أن تكون بداية الطريق نحو نموذج جديد أكثر إنتاجية وعدالة واستدامة، وإلا ستبقى رقماً جديداً في مسلسل التكرار الذي أثقل الاقتصاد وأعاق نموه.

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير