آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين
بعد أن أعادت الحكومة فرض كامل رسوم تصاريح العمل على اللاجئين السوريين اعتباراً من 1 تموز (يوليو) 2024، حذر تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية من أن هذا القرار – إن لم تصاحبه تدابير تيسيرية – قد يدفع آلاف العاملين السوريين إلى سوق العمل غير الرسمي، مع ما يترتب على ذلك من هشاشة اجتماعية واقتصادية، وتهديد لأمن حقوق العمال وسلامة سوق العمل الأردني.
وكان الأردن تبنى في السنوات التي تلت العام 2016، وتحت ضغوط أزمات اللجوء السوري، توسيع فرص التشغيل للاجئين السوريين، عبر إعفائهم من رسوم تصاريح العمل، الأمر الذي رفع أعدادهم بشكل ملحوظ في سوق العمل.
وبحسب تقرير منظمة العمل الصادر في 2025، فإن إعادة فرض كامل رسوم تصريح العمل على السوريين، من شأنه أن "يعيد إنتاج الحواجز أمام التشغيل الرسمي”.
ضمان المنافسة العادلة
وفي هذا الصدد، رأى رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، أن الحكومة تنظر إلى أن الأوضاع في سورية بدأت تدخل مرحلة الاستقرار، وترى أن مبرر الإعفاء من رسوم تصاريح العمل لم يعد قائماً، إلا أن "واقع الحال يشير إلى أن العودة الكاملة ما تزال غير مؤكدة بالنسبة لعدد كبير من اللاجئين، سواء لأسباب أمنية أو معيشية أو اجتماعية”.
وأضاف أبو نجمة، إن معاملة اللاجئين بوصفهم عمالا قدموا للأردن بهدف العمل، لا ينسجم مع حقيقة وجودهم كلاجئين اضطروا للقدوم ولم يختاروا ذلك لتحسين الدخل.
وقال إن استمرار الإعفاء أو تخفيض الرسوم هو إقرار بظروف اللجوء وضمان لحقهم الإنساني في العيش والعمل والتعليم والصحة طالما أنهم مقيمون في الأردن، مشيراً إلى أن فرض أعباء مالية عليهم سيدفعهم عملياً إلى التوجه نحو العمل غير الرسمي، ما يخلق تحديات أكبر لسوق العمل ولحقوقهم ولقدرة الدولة على الرقابة.
وقال إن وجود مسار رسمي منخفض التكلفة يشجع أصحاب العمل على تسجيل العمال السوريين ويحد من توسع العمالة غير النظامية، ويضمن بيئة منافسة عادلة، بينما سيضع رفع الرسوم اللاجئين أمام خيارين أحلاهما مر، إما العمل من دون تصريح أو البقاء بلا دخل كافٍ، وكلاهما — بحسبه — يفاقم الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في أوساطهم.
مخاطر العمل غير الرسمي
وبالعودة إلى تقرير منظمة العمل الدولية، فإنه يشير بوضوح إلى أن ارتفاع تكلفة التصريح يقلّل من جاذبيته للعمال وأرباب العمل، خصوصا وأن كثيرا من اللاجئين السوريين وأصحاب العمل أبلغوا بأنهم "يفكّرون جدياً” بالاعتماد على العمل غير الرسمي لتفادي تكلفة التصريح؛ ما يعني تراجع فرصة التوظيف القانوني الرسمي.
وبحسب التقرير فإن غياب التصريح الرسمي يعني أن العمال السوريين قد يفقدون الحماية القانونية، المشتملة على عقد عمل مكتوب، واشتراك في الضمان الاجتماعي. ويشير إلى أن التصاريح — رغم أنها تشكّل بوابة لحماية الحقوق — لكنها باتت تشكل تكلفة تُثني كثيرين عن التقدم لطلبها.
وتعد منظومة التصاريح آلية لتنظيم العمالة، وضمان حقوق العامل وصاحب العمل، لكن مع ارتفاع الرسوم وتراجع الإقبال على التصاريح، قد يُضطر بعض أصحاب العمل إلى الاستفادة من العمالة غير الرسمية الرخيصة، ما يضع سوق العمل الرسمي أمام مخاطر الانتهاكات الحقوقية، وغياب الشفافية، والتنافس غير العادل.
آفاق ضبابية لسياسات الإدماج
ويرى التقرير أيضا أن إعادة الرسوم قد تقوض المكتسبات التي تحققت منذ 2016 لدمج السوريين في سوق العمل الأردني بصورة رسمية.
ويقدّم عدداً من التوصيات، لتحقيق توازن بين مصلحة اللاجئين، وأصحاب العمل، وسوق العمل الكلي في الأردن، ومنها اعتماد رسوم مخفّضة أو مدعومة للاجئين السوريين — على الأقل للفئات الأكثر هشاشة — لتشجيع التشغيل الرسمي، واعتماد آليات تصاريح "مرنة” (flexible permits) تسمح بحركة العمل بين أصحاب العمل، وتسهّل التجاوب مع الطلب الموسمي أو المتغيّر في القطاعات.
كما أوصى بدعم التزام أرباب العمل بتسجيل السوريين نظامياً، وتقديم حوافز لهم، مع حملات توعية للاجئين حول أهمية التصريح الرسمي، وإشراك الجهات الدولية والمحلية في دعم تكلفة التصاريح لمن يعجز عن دفعها، لضمان عدم حرمان فئات من حقها في العمل الرسمي.
وأشار إلى أن عودة فرض الرسوم في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأردني ضغوطاً متعددة، من شأنها أن تثير قلقاً شديداً حول مستقبل التشغيل الرسمي، من جهة اللاجئين الذين يكافحون من أجل لقمة العيش، ومن جهة أرباب عمل قد يلجأون إلى العمالة غير النظامية لتخفيف التكاليف.
وحذر من أنه إذا لم تُتخذ تدابير توازنية، فإن المكاسب التي تحققت في السنوات الماضية على صعيد الإدماج الاقتصادي والاجتماعي قد تتراجع، مع ظهور مخاطر على التماسك الاجتماعي والاستقرار.
ويعكس التقرير واقعاً معقّداً قوامه أن رسوم تصاريح العمل التي تبدو في الظاهر إجراءً إداريّاً، قد تتحول إلى مدخل إلى سوق عمل مُظلْم، تقوض فيه الحقوق والحماية القانونية، وتضع آلاف اللاجئين السوريين وأصحاب عمل أردنيين في مواجهة تبعات اقتصادية واجتماعية.
وهذا يضع الحكومة أمام خيارين، إما تخفيف العبء عن الفئات الضعيفة من خلال سياسات دعم وتسهيل، أو المجازفة بعودة العمالة غير النظامية إلى الواجهة، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر على الأمن الاقتصادي والاجتماعي.-
























