د. سعيد محمد ابو رحمه يكتب:اعلام أردني بروح شبابية: انطلاقه جديده برعاية الخبرة والمسؤولية
نبأ الأردن -
تشكّل الانطلاقة البرامجية الجديدة للتلفزيون الأردني محطة لافتة في مسيرة الإعلام الرسمي، ليس فقط من حيث الشكل، بل من حيث الرسائل الضمنية التي تحملها: ضخّ دماء جديدة في مؤسسة إعلامية عريقة، وتأكيد أن الأردن، بقيادته ومؤسساته، يسعى لإعادة تموضع إعلامه الرسمي ضمن السياق الإقليمي والدولي المتغير، بوسائل حديثة ولغة أكثر قربًا من المواطن.
انخراط كوادر إعلامية شابة في الواجهة البرامجية للتلفزيون الأردني يعكس تحولًا استراتيجيًا في عقلية الإعلام الرسمي.
اليوم تُمنح الفرصة لجيل جديد يمتلك أدوات العصر: من التواصل الرقمي إلى الحس المجتمعي المتفاعل، والقدرة على كسر النمطية، وتقديم محتوى متنوع، يعبر عن الشارع، لا يعلو فوقه.
هذه الروح الشبابية تمثّل طموحًا لاكتساب جمهور جديد، خصوصًا من فئة الشباب، الذين هجَر معظمهم الإعلام التقليدي لصالح المنصات الرقمية. وهذا يتطلب أن تكون الانطلاقة ليست فقط في الوجوه، بل أيضًا في المضمون، والإيقاع، والقضايا التي تُطرح.
رغم الحضور الشبابي الطاغي، إلا أن نجاح التجربة مرهون بوجود مظلة من الخبرة تُوجّه، وتُقيّم، وتُوازن. فالإعلام الجيد ليس عفويًا، بل نتاج تراكم مهني ومعرفي. لذلك، لا يجب أن يُفهم التغيير على أنه إقصاء للخبرات، بل دمج تكاملي بين جيل صنع التجربة، وآخر يريد تجديدها.
الأردن يمتلك نخبة من الإعلاميين المخضرمين الذين شكلوا سنام الإعلام العربي في مراحل مفصلية، وحضورهم اليوم كموجّهين، ومدرّبين، ومرجعيات مهنية، هو صمّام أمان لضبط التحوّل.
الانفتاح الإعلامي الذي تعيشه المملكة يتطلب إعلامًا رسميًا قادرًا على المنافسة. والجمهور الأردني اليوم أكثر وعيًا، وأكثر تشككًا، ويريد محتوى صادقًا، يعبّر عن همومه، ويواكب تحولات المجتمع.
التحول في الإعلام لا يمكن أن يكون مسؤولية التلفزيون وحده. بل يجب أن تواكبه استراتيجية وطنية شاملة، تشترك مؤسسات التدريب الإعلامي، و مراكز الأبحاث. الهدف ليس فقط تحسين البرامج، بل تأسيس إعلام يعكس رؤية الدولة الأردنية، وهويتها، وقيمها، في ظل تحديات إقليمية ودولية معقدة.
كما أن الرعاية الملكية الدائمة للإعلام، والإشارات المتكررة من جلالة الملك عبدالله الثاني لأهمية الإعلام المهني، تمثّل إطارًا داعمًا لهذه المرحلة، وتؤكد أن الإعلام القوي جزء من قوة الدولة.
انطلاقة التلفزيون الأردني بوجوه شابة ليست مجرد تجديد للواجهة، بل إعلان نوايا لتجديد الوظيفة الإعلامية للمؤسسة الرسمية. ومع الحفاظ على التوازن بين الشباب والخبرة، وبين الجرأة والمسؤولية، فإن الأردن قادر على تقديم نموذج إعلامي حديث يعكس طموحه السياسي والاجتماعي، ويعزّز حضوره في الساحة الإقليمية والعربية.

























