م.صلاح طه عبيدات يكتب: استشهاد وصفي التل استشهاد للحرية والكرامة العربية
نبأ الأردن -
ثمة جراح في ذاكرة الأوطان لا تشفى، لا لأنها لم تُضمَّد، بل لأنها جزء من نسيج الروح.
ووصفي التل… ليس اسماً في سجلّ الشهداء، بل مرآة لوجهٍ أردنيّ لا يساوم، وصدى لرجلٍ حمل فلسطين في قلبه قبل أن يحمل سلاحه، ومضى رافعاً رأسه كعَلَمٍ في ريحٍ عاصفة.
وما يؤلم الروح اليوم… أن يخرج قتلةُ الحقِّ إلى العلن، يلوّحون بخيبتهم كأنها مجد، ويتباهون بما لا يتباهى به إلا العاجزون عن حمل معنى الرجولة، فيقفون على شاشاتٍ لا تعرف الخجل، ويعلنون انتماءهم للغدر… وكأن الخيانة حرفة تُدرّس، لا سقوطاً أخلاقياً يبتلع صاحبه.
ليس الحديث هنا إثارةً لغضب أو إحياءً لثأر، فالثأر لغة الضعيف… أمّا لغة الأمة فهي الذاكرة والوعي والقانون.
أنا أردنيُّ الهواء، عربيُّ الهمّ، أعرف أنّ الأمم لا تنهض حين تنسى، بل حين تتذكّر بكرامة… وحين تضع الخائن في موضعه، والشهيد في عليائه.
من يقرّ جريمة اغتيال رجلٍ بحجم وصفي التل…
لا يقرّ جريمة في حقّ فرد، بل في حقّ فكرة، في حقّ زمنٍ كان يمكن أن يكون أجمل، في حقّ رجلٍ عاش بحجم البلاد لا بحجم جسده.
ولذلك، فإن العقاب ليس انتقاماً… بل عدلٌ يعيد للأشياء توازنها؛
والرأي العام ليس صدى للغضب… بل حارسٌ لذاكرة الوطن كي لا يُسرق مرة أخرى.
إن الشهداء – حين يرحلون – يتركون لنا امتحاناً أخلاقيّاً صعباً:
هل سنحفظ وصاياهم… أم نسمح للغبار أن يغطي الأسماء؟
ووصفي التل… كان وصية وطن، وامتحان كرامة… ولن ينجح فيه إلا الأحرار.

























