عبدالهادي راجي المجالي يكتب : عمان غرقت ...

{title}
نبأ الأردن -
قبل أيام جاءت موجة حادة من المطر ...ترددت جملة على وسائل التواصل الإجتماعي وفي المواقع : عمان غرقت ...الغرق هو حالة خطرة ، وتفسير الكلمة يرتبط بالموت ، فالغريق إما أن ينجو وإما أن يموت ...عمان لم تغرق فاضت فيها بعض (المناهل) ، أنا لا أعرف حقيقة كيف استعملت هذه الجملة ..هل استعملت في سياق سوء الفهم اللغوي أو سوء النية ...أو مهاجمة الأمين ، على كل حال لست مسؤولا عن النوايا ، ولكني على الأقل أحصر مسؤوليتي في اللغة والبوح .
أما بالنسبة للغرق ، فقد اجتاحت عمان قبل أكثر من خمسين عمان أمواج المليشيات العاتية ، ولم تغرق ..اجتاحتها الأمواج الناصرية ، ولم تغرق ..وحلف بغداد كان له ارتدادات خطرة ولم تغرق ، وحين سقطت الضفة الغربية استقبلت أمواجا من النزوح ولم تغرق ...عمان الحانية العاشقة ، فيها العسكر والفتية السمر ، والنشامى ..وسيحملونها على الأكتاف ولن تغرق .
حسنا هل تشفع لي هذه المقدمة في تفسير الغرق المعنوي والغرق بالمفهوم الواقعي ..في أن أفشي بعضا من هواجسي وألمي ؟ ...
عمان لم تعد تلك المدينة التي كنا نسكنها قبل عشرين عاما وأكثر ، توسعت كثيرا وتضاعف عدد سكانها ، والذين يعملون في الأمانة هم من خيرة المهندسين في البلد ..لم نستوردهم من ماليزيا ولا سنغافورة ، أغلبهم نشأ على جبالها ..ويعرف كل الزواريب فيها ، وهؤلاء أنتجوا أهم الجسور والأنفاق أنتجوا البنى التحتية ، أنتجوا االأنظمة ويحاولون التسهيل على المواطن ، لا داعي لرجمهم عند أول خطأ ..أنا أنظر لما حدث أنه خطأ يقبل العلاج ، ولكننا للأسف قدمناه في الإعلام على أنه (تسونامي) أو كارثة حلت بالعاصمة .
نحن لدينا أخطاء في كل مناحي العمل ،.. الخطأ موجود في كل أشكال العمل، والإعلام إضافة للسوشيال ميديا يحول الخطأ إلى خطيئة ..هذا نسميه التضخيم ، ونسميه الانطباع ..تشكيل الإنطباع ...وثمة فارق كبير بين الخطيئة والخطأ ، الأولى بمثابة جرم ..والثانية بمثابة شيء يقبل الإصلاح .
إذا لنتفق على أن تكدس المياه في الشواع كان خطأ ، وليس خطيئة لا تغتفر ..
حتى الكاميرات حولوها لخطيئة ، وحين دققت في اعتراض الناس ..تبين لي أن الأغلبية تظن بأنها كاميرات (لمخالفة السيارات) ...والحقيقة أنها في أغلبها كاميرات للمراقبة وللدواعي الأمنية ، لندن الأمن فيها يقوم على الكاميرا ودبي كذلك ..وثمة ربط غريب حدث في السوشيال ميديا ما بين انسداد المناهل وبين الكاميرات أنا شخصيا لا أفهمه ...كأن شراء الكاميرات تسبب في انسداد المناهل .
أنا ابن هذه المؤسسة وأعرفها مثل كف يدي ، فيها أخطاء ..لكنها أنجزت ماعجزت عنه عواصم كبرى ، والذين أنجزوا فيها هم أولاد البلد ، استوعبت ما يفوق طاقتها ..مدت يدها لكل المدن وللحكومة ، وحين كانت تعجز الوزارات تتدخل الأمانة ..مارست الرعاية والتوظيف ، وفرت مظلة ضمان اجتماعي للعاملين فيها ...قلصت من الخطر في العاصمة ، وتحملت مطالب النواب والوجهاء ...والشعب حين يغضب أيضا .
وفي النهاية يخرج أردني ليقول عمان غرقت ، عمان لا تغرق ..سنحملها على أكتافنا كما حملها ، أهلنا العسكر ...ويقول اخر: غرقت بشبر مي ...هو للأسف لم يعاصر زمنا كانت فيها الدماء أكبر من شبر ، لم يعاصر زمنا كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تغير على مرافقها ..لم يعاصر زمن رمايات الدفاع الجوي في مطار ماركا وإسقاط الطائرات المغيرة ..
لم يعاصر زمنا ...الأردني جعل فيه البحر ذاته يغرق ، وظلت عمان تمخر العباب ..سالمة امنة مطمئنة ..
حمى الله عمان ..وستظل ترخي الجدائل فوق الكتفين ، وسنظل نبث لها الحب شعرا وحنينا وشوقا.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير