أ.د. حسن الدعجه يكتب: مآثر وصفي التل… في رحاب ذكرى استشهاده

{title}
نبأ الأردن -
استاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال
وصفي التل واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ الأردن الحديث، ورمزًا وطنيًا ارتبط اسمه بالصدق والنزاهة والعمل الدؤوب من أجل الوطن. لم يكن مجرد رئيس وزراء أو مسؤول رفيع، بل كان مدرسة في الفكر السياسي والإداري، وقامةً تركت أثرًا عميقًا في الذاكرة الأردنية. وفي ذكرى استشهاده، تستعيد الأجيال سيرته لما حملته من قيم وطنية أصيلة ومواقف صلبة شكّلت ركيزة مهمة في مسار الدولة الأردنية.
وُلِد وصفي التل عام 1920 في بلدة عرب كير في شمال العراق ، ونشأ في بيئة غنية بالثقافة والفكر والسياسة. فقد كان والده، الشاعر مصطفى وهبي التل "عرار"، أحد أبرز أعلام الأدب الأردني، وهو ما ترك أثراً واضحاً في تكوين شخصيته. وقد أسهمت هذه النشأة المبكرة في صقل وعيه السياسي، ومنحته رؤية تجمع بين الحس الوطني والثقافي، الأمر الذي انعكس لاحقاً في أسلوبه القيادي وطريقة إدارته للشأن العام.
رجل دولة بنزاهة استثنائية
كان وصفي التل مثالًا نادرًا للنزاهة والإخلاص في العمل العام. فقد عُرف عنه انضباطه الشديد، ومتابعته الدقيقة لكل تفاصيل العمل الحكومي، وإصراره على أن يكون كل مسؤول قدوة في الأخلاق والاجتهاد. كان يؤمن بأن بناء الدولة لا يتحقق بالشعارات، بل بالعمل المتواصل والتخطيط والالتزام بالقانون.
وفي كل المناصب التي شغلها، من بينها رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس الديوان الملكي، اتسم أداؤه بالشفافية والصرامة والانحياز لمصلحة المواطن. لم يكن يقبل الفساد بأي شكل، وكان يعتبر الإدارة الصالحة حجر الأساس لتحقيق التنمية والاستقرار.
أولى وصفي التل اهتمامًا كبيرًا بالزراعة والاعتماد على الذات. كان يرى أن قوت الأمة يبدأ من قدرتها على إنتاج غذائها، ولذلك قدّم مبادرات واضحة لدعم المزارعين وتحسين البُنى الزراعية. وقد بقي الأردن في تلك الفترة شاهدًا على مشروعات تنموية هدفت إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وربط المواطن بالأرض.
لم يقتصر اهتمامه على التنمية الاقتصادية، بل أولى الإنسان الأردني مكانة مركزية في رؤيته. فقد كان يعتبر بناء الإنسان الواعي والمسؤول هو الطريق الحقيقي لنهضة الوطن. لذلك ركّز على تعزيز التعليم وتنمية الانتماء الوطني وترسيخ قيم الكرامة والعمل.
تميّز وصفي التل بثبات مواقفه السياسية، وحرصه على حماية سيادة الأردن واستقلال قراره. كان يؤمن بأن قوة الدولة تكمن في وحدتها الداخلية وتماسك مؤسساتها، وأن الأردن يجب أن يبقى قويًا في مواجهة التحديات الإقليمية. وقد اتخذ مواقف واضحة تعبّر عن رؤية وطنية خالصة، هدفها حماية البلاد والحفاظ على استقرارها.
كما كان له دور محوري في تعزيز الروح الوطنية لدى الشباب، وتشجيعهم على الانخراط في خدمة الوطن بشرف ومسؤولية. وهذا ما جعله قريبًا من الناس، وشخصية مُلهِمة للأجيال، رغم أنه لم يكن يسعى للشهرة بل للعمل بصمت وإخلاص.
بعد استشهاده، بقي وصفي التل حيًا في وجدان الشعب الأردني. تحوّلت ذكراه إلى رمز للنزاهة والصلابة الوطنية، وأصبحت سيرته تُدرَّس كقدوة في القيادة والعمل العام. لم يكن استشهاده مجرد حدث تاريخي، بل لحظة كشفت عمق مكانته في قلوب الأردنيين، ومدى ما كان يمثله من قيم أصيلة.
وتحمل هذه الذكرى اليوم رسائل متعددة، أهمها أن الوطن يبنى بالتضحية والولاء، وأن النزاهة ليست خيارًا بل ضرورة لبناء دولة قوية وعادلة. كما تذكّرنا بأن القادة الذين يعملون بصدق يبقون خالدين مهما تغيّرت الظروف.
إن الحديث عن وصفي التل ليس مجرد استرجاع لشخصية تاريخية، بل هو وقوف أمام نموذج أردني نقيّ يمثل أعلى درجات الإخلاص في العمل الوطني. لقد ترك وصفي إرثًا غنيًا من المبادئ والمواقف، وأسهم في ترسيخ مفهوم الدولة المؤسسية والنزاهة والاعتماد على الذات.
وفي ذكرى استشهاده، نجدّد التأكيد على أهمية القيم التي عاش من أجلها: حب الوطن، الإخلاص في الخدمة، والنزاهة في القيادة. تبقى سيرته نبراسًا يهدي الشباب نحو فهم أعمق لمعنى الانتماء الحقيقي، ورسالة بأن بناء المستقبل يحتاج إلى رجال ونساء يؤمنون بالوطن ويسعون لرفعة شأنه.

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير