د. محمد جرار آل خطاب يكتب:عندما تتحوّل الجمعيات العلمية إلى ساحات إقصاء: الجمعية الأردنية للعلوم السياسية نموذجًا
نبأ الأردن -
تشكّل الجمعيات العلمية ركيزة أساسية في دعم الحوار الأكاديمي وتعزيز التعددية الفكرية، إذ يُفترض أن تكون منصات مفتوحة تستوعب مختلف الآراء والخبرات، وخاصة للفئات المهمشة والبعيدة عن العاصمة. إلا أن بعض هذه الجمعيات قد تواجه تحديات في الحفاظ على هذا الدور، فتظهر ممارسات — مقصودة أو غير مقصودة — تؤدي إلى تضييق مساحة المشاركة وإضعاف التنوع داخل المؤسسة، مع طغيان إرادة الشخص الواحد أحيانًا. ويبرز نموذج الجمعية الأردنية للعلوم السياسية بوصفه حالة تستدعي النقاش الهادئ حول كيفية تطوير العمل المؤسسي وتعزيز الانفتاح داخله.
تتجلى هذه التحديات أحيانًا في آليات عضوية تحتاج إلى مزيد من الوضوح، أو في محدودية تداول المواقع القيادية، أو في برامج وأنشطة يغلب عليها طابع أحادي لا يعكس كامل الطيف الفكري الموجود في المجتمع الأكاديمي. كما قد يشعر بعض الباحثين، خصوصًا الأكاديميين الموجودين خارج العاصمة، بأن مساحة مساهمتهم لا تزال محدودة، مما يخلق فجوة بين الطموح الأكاديمي والواقع العملي.
لقد دفعت هذه الممارسات الإقصائية — بكل ما تحمله من تضييق وتهميش — إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الجمعية حفاظًا على هيبة العمل الأكاديمي، وابتعادًا عن مناكفات لا تليق بمن يعلّم طلبة الجامعات معنى الحوار وقيم النقاش الراقي. فالاستمرار في بيئة يغيب عنها الانفتاح، وتسود فيها ثقافة الإقصاء أو التحكم الفردي، لا يخدم رسالة العلوم السياسية التي تقوم أساسًا على احترام الرأي الآخر وتعزيز المشاركة لا الحدّ منها.
ومثل هذه المظاهر ليست حكرًا على جمعية واحدة، بل هي جزء من التحديات العامة التي تواجه الكثير من المؤسسات العلمية في المنطقة، حيث يتطلب العمل الأكاديمي بيئة شاملة تسمح بالتنوع والاختلاف، وتبتعد عن تحكّم الفرد الواحد، وتشجّع تجدد الأفكار وتداول الخبرات.
إن تطوير أداء الجمعيات العلمية لا يتحقق إلا من خلال مراجعة مستمرة للأنظمة الداخلية، وتعزيز الشفافية في اتخاذ القرار، وتوسيع قاعدة المشاركة بين الأعضاء، إلى جانب إفساح المجال أمام الطاقات الشابة للمساهمة في العملية المؤسسية، بحيث يقودها أصحاب الكفاءة والرؤية، لا المسيطرون على القرار الإداري — وإن جاء اختيارهم عبر الانتخابات — لأن الفوز لا يمنح أي طرف حقّ الاستفراد بالعمل أو تقليص مشاركة الآخرين.
ومن المهم كذلك الحفاظ على استقلالية العمل الأكاديمي بعيدًا عن أي تأثيرات قد تُضعف دوره العلمي أو تقيّد التعددية التي يقوم عليها. إن تسليط الضوء على تجربة الجمعية الأردنية للعلوم السياسية يأتي في إطار الحرص على دعم دور الجمعيات العلمية وتعزيز حضورها وتأثيرها الإيجابي في المشهد الأكاديمي. فالانفتاح والتجدد وتعدد الأصوات هي عوامل القوة الحقيقية لأي مؤسسة تبحث عن الاستمرارية والمصداقية والفاعلية.

























