ميسر السردية تكتب:سيل

{title}
نبأ الأردن -
تقول الحكاية إن رجلاً رأى عند الظهيرة، في طريق عودته إلى بيته، جرذاً ينقل صغاره من جحره في أسفل الجبل إلى مكان مرتفع. فهم الرجل الحكيم من تصرف الجرذ أنّ عاصفةً على وشك الحدوث دون مقدمات، فهرع إلى ربعه قاصّاً عليهم ما رأى وحاثّهم على الرحيل بأسرع ما يمكن، ونصب خيمته في ذروة السفح بعيداً عن المكان المنخفض تجنّباً لما قد يتعرّضون له هم ومواشيهم من كارثة.

عندما سخروا ممّا قصّه عليهم وسخفوا من إجراءاته الاحترازية، حمل خيمته وعائلته واتخذ لهم مكاناً يعصمهم أسوأ التوقعات. مرّ ذاك النهار بليله، والوديع والقوم هاجعون على ما هم عليه، ولم يحدث ما يسوئهم.

مع شروق الشمس، ودون سحاب أو رعد، وبلمح البصر انبجدت  قربة السماء؛ فانهالت السيول من شعاب الجبل كأنّها "ترد النقا" بعضها على بعض، حتى غصّ الوادي وطاف، جارفاً كلّ ما حوله من خيام وماشية وناس.

وقف الرجل أمام خيمته يبكي قومه الذين أصبحوا في خبر كان، فيما راحت زوجته، الفرِحة بالنجاة، تردد بأعلى صوتها: "يا واديهم أغدِ بيهم... أنا وجوزي في هالعلوة".

يُقال إنه وبعد هدوء العاصفة نزل إلى مساكنهم فلم يجد من أثرهم إلا قدر نحاس عَلُقت حلقته في جذع شجرة.

طالعتنا اليوم صور لحالتين: الأولى لطرقات طافت بمياه الأمطار، وسيارات شبه غارقة، وشاحنة يسحبها السيل، والصور الأخرى لبعض السكان الذين يعبرون عن فرحتهم بالهطل المطري الذي طال انتظاره. أما ما يخصّ الصورة الأولى — يا خطيّة! — فلا حيلة لمن ظهروا فيها؛ فالأمر لا يتعلّق بخيمةٍ ينقلونها على ظهر حمار، وإنما يتعلق بمسؤولية الإدارة المحلية التي لم تستعد كما استعد صاحب الجرذ. وأمّا الصورة الثانية، ففي حقّ أصحابها أن ينادوا ويشيّروا ترند: "لقد نجونا يا قوم".

وعلى رأي غسان كنفاني—رحمه الله—: "خيمة عن خيمة بتفرق"، وأيضاً صورة عن صورة واستعداد عن استعداد ومنطقة عن منطقة... بتفرق كمان.

إغدِ بيهم.. اذهب بهم..
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير