م.صلاح طه عبيدات يكتب:أيها المانحون...الكرماء: دع عنكم نساءنا...وبناتنا
نبأ الأردن -
قبل أن تمتد أياديكم إلى جيوبكم، تفقّدوا أثرها على أرواحنا. فليس كل عطاء نعمة، ولا كل مساعدة بركة. هنالك عطاء يشبه القيود، وهباتٌ لها طعم المراهم المسمومة، تداوي ظاهر الجرح لتُخدِّر الوعي وتستبيح الجسد كله.
تسألون: ماذا نريد لنسائنا؟
ونجيبكم: لسنا نبحث لهنّ عن دورٍ جديد، بل نحرس دورهنّ الذي لم يُخلق مثله في الكون. المرأة عندنا ليست رقماً في تقرير، ولا بنداً في مشروع، ولا ورشة تدريب تُقاس بنجاحها بعدد الصور المعلّقة في نهاية النشاط.
المرأة هنا… هي الذاكرة الأولى للوطن، وهي اليد التي تُعيد بناء البيت بعد كل عاصفة، وهي التي تُصلّي في فجر البلاد كي لا يسقط الضوء من جبينها.
هذه قداسة لا تدركونها، لأن القداسة لا تُدرَّس في مكاتبكم، ولا تُقاس بالمعايير التي تحملونها في حقائبكم.
أتخشون مستقبلنا؟
أم تخشون أن تنهض أمةٌ فقيرةٌ في جيوبها، لكنها غنيةٌ في كرامتها؟
هل تُخيفكم نساؤنا لأنهنّ ينجبن أجيالاً لا تنحني إلا لله؟
وهل العبث بنسيجنا الاجتماعي جزءٌ من برامجكم «التطويرية»؟
أيُّ تطويرٍ ذاك الذي يبدأ من جسد المرأة، لا من عقل الأمة؟
نسألكم…
هل تظنّون أن بضعة ملايين يمكن أن تشتري تاريخنا؟ أو أن قروضكم المعلّبة تكفي لشراء سيادتنا؟
أموالكم التي يتبخّر نصفها في مؤتمراتكم، ويدخل نصفها الآخر في جيوب من تسمّونهم «خبراء»، قبل أن يصل إلينا منه ما يكفي لالتقاط صورة تذكارية…
أتلك هي الشراكة التي تبشروننا بها؟
ويا أهل الحكمة في بلدي…
يا من بقي في صدوركم شيء من الكبرياء، وإنْ انهكتكم أعباء الواقع…
لا تتسرّعوا، فالتوقيع ليس حبراً على ورق، بل قد يكون تعهداً على الروح.
المساعدة الحقيقية تُقال بلغة المودّة، وتُقدَّم بيدٍ شفافة لا تحمل شرطاً ولا هدفاً خفياً.
واعلموا…
أن السيادة تبدأ من اللحظة التي نقول فيها «لا»
للمال الذي يريد أن يعيد تشكيل مجتمعنا من الداخل،
وللابتسامات التي تُخفي خلفها تقريراً،
وللهزّات التي تُسجَّل على أنها «موافقة»، بينما هي ارتجافة كرامة لا تريد أن تنكسر.
من أحبّنا… يعيننا.
ومن أراد أن يستبدل قيمنا بقيمه… فذلك ليس مانحاً، بل ساعي نفوذ.
وما بين المساعدة والابتزاز خيطٌ رفيع… اسمه الكرامة.
والكرامة — يا سادة —
هي آخر ما تبقّى لنا، وهي أول ما يُسقط الأمم إذا فُقدت.
فلنحرسها… ولو بأفقر ما نملك.

























