عبدالهادي راجي المجالي يكتب : من مفركة البطاطا إلى السباغيتي ... ماذا أنتج جعفر حسان للان ؟
نبأ الأردن -
لست في معرض الحديث عن انجازاته ، ولا عن خيباته ...ولكن في معرض الحديث عن مؤسسات الدولة ..عن إخفاق في ملفات سياسية خارجية ، وعن تلكؤ في معالجة اقتصاد متعب ...ولكنها المرة الأولى منذ (30) عاما على الأقل والتي نشهد فيها انسجاما في العمل بين مدير مكتب الملك ، ورئيس الوزراء ، ومدير المخابرات ، ورئيس الديوان ...
هذا الأمر يسجل بالدرجة الأولى لعلاء البطاينة ، فهو لايؤمن (بالجماعة) بمعنى أنه رجل لايشكل جماعة ضغط خاصة به في الإعلام أو السياسة ، وهو رجل حقق في هذه الفترة الوجيزة من تسلمه للموقع ، كيمياء خاصة بحيث تخلى عن تشعب الأدوار ، ونفوذ الموقع ....
الأمر الاخر جعفر ذاته حدد هوية العمل الحكومي ، وقدم الإقتصاد ولم يتجاوز الأمن ..والأهم من كل ذلك أن المؤسسة الأمنية في عهد الجنرال الدمث ، لم تبسط ظلها على أي مؤسسة أخرى ، وتركت الحرية لمؤسسات الدولة في العمل...بالنسبة للعم أبو حسن العيسوي ..فلا مجال الان لسبر أغوار الشخصية ، يكفيه أنه حنون وطيب ..ومازال يقبل الناس على وجناتهم ، ولا يؤمن بالنفوذ أبدا .
لم تستقر المؤسسات يوما لدينا ...فقد دخلنا في ثنائيات غريبة وصراعات متعبة ...صراع الذهبي وباسم ، كان له تأثير مهم على مؤسسات الدولة ...صراع البطيخي والصحافة ، ثنائية الكباريتي والروابدة ....صراع الديجتال مع من يدعون أنهم حماة الهوية ، سطوة الراحل (فيصل الشوبكي ) على الحكومة ...صراعات لا أول لها ولا اخر ..
لنتفق أن الأردن يشهد الان استقرارا في علاقات المؤسسات ، وهذا يعود الفضل فيه لرؤية الملك ...وأنا أجزم أن حل أي مشكلة داخلية أو خارجية يحتاج لتناغم في الشخوص ، الذيت يقودون المؤسسات السيادية ..وإذا حدث هذا التناغم ، غابت الشللية وغاب الإستزلام وغابت المصالح ، وغاب الظلم .
الصراعات كانت موجودة منذ تأسيس الدولة ..ففي عهد الراحل الحسين ، أرهقنا جميعا من ثنائية الرفاعي – بدران ..,التي استمرت لأكثر من 20 عاما ..بحيث انقسمت النخب وانقسمت البلد إلى حزبين : حزب الرفاعي وحزب بدران ..
لكن النصيحة التي أود أن اسديها للحكومة الحالية أظنها مهمة ، وهي لا تنبع من كوني مثقفا بالغ الخطورة ، أو منظرا في الحركات الإسلامية ، أو خطيبا على منابر الإصلاح والإعلام ..هي تنبع من كوني دفعت ذات يوم ثمن هذه الصراعات ، وسجنت ..كنت ضحية لهوى البعض ..لست وحدي بل الكثيرمن الناس دفعوا الثمن .
كل الحكومات التي شكلت منذ عشرين عاما كانت تفتقد للتحالفات مع المجتمع ..بحيث ينتج الرئيس الجديد دائما علاقاته مع مجتمع البنوك ومع مجتمع الصناعة ..ومع مجتمعات (البزنس بارك ) و( البوليفارد) ...لم نشاهد يوما رئيسا استهل ولايته بتناول الطعام في منزل الراحل مروان الحمود ..لم نشاهد رئيسا بدأ ولايته بزيارة مضافة الشيخ مثقال الفايز ، في ذات الوقت لم نشاهد رئيسا مر ولو لنصف ساعة على مخيم الوحدات ، أو زار مركز صحي البقعة الشامل ..
تسقط الحكومات من وجدان الشارع حين تتخلى عن تحالفاتها الإجتماعية ، وتسقط أكثر حين تختبيء في المكاتب ..الرئيس حالي زار القرى المنسية ،لكنه زارها في إطار البحث عن العثرات وحل المشاكل ، للاسف لم يزر هذه القرى لإنتاج تحالفات اجتماعية او قبلية أو حتى سياسية ..
نحن على مقربة من ذكرى استشهاد وصفي التل ، وللأسف الجيل الحالي انحاز لوصفي ولكنه لم يقرأ خطورة وصفي ....وصفي التل هومن أنتج الشخصية الأردنية في إطار الدولة والبعد القومي وفي إطار القضية الفلسطينية ، قدم الشخصية الأردنية في إطار الإستقلالية التامة ، وقدمها في إطار البناء ...كل ذلك تم من خلال تحالفات اجتماعية أنتجها ، مع طبقة المزارعين ..ومع مجتمع العشيرة ، ومع النخب المثقفة ..وصفي التل كان يحاور ابراهيم بكر كثيرا ..وصفي التل كان يحب منيف الرزاز ، لكنهم حين اختلفوا في مسألة السيادة واستقلالية الشخصية الأردنية ..صمت عن سجنه ، وصفي التل كان يعشق الجبيهة والكمالية ، لأن سكان هذه المناطق كانوا من طبقة المزارعين الذين حققوا وفرة في المحاصيل ...ولم يسكن عندهم في إطار البحث عن الهدوء بل انخرط في نمط حياتهم ومارس الزراعة ، وبنى في منزله حظيرة للأبقار وربى الدجاج وقطف الزيتون ..
كان الأردني يشاهد وصفي التل ، وهو يقوم بطلاء اسوار منزله ..كان يشاهده وهو يحمل الفأس ..
لو أن رؤوساء الوزارات لدينا ، قرأوا هذا النموذج ..لقاموا بحل نصف مشاكل الدولة ، لكنهم انخرطوا في مسألة الإقتصاد دون يدركوا أن أي تغير في الإقتصاد يحتاج لتحولات في المجتمع ، والتحولات المجتمعية لا تحدث إلا عبر الإنخراط في الطبقات وفهم أنماط تفكيرها وإرثها وقيمها وعاداتها .
ما نريده من الرئيس الحالي ، التخلي عن صداقاته في مجتمع النخب الإنتهازية ..والنخبة الإنتهازية الطحلبية في الأردن ، لو قدر لي أن أسرد الأسماء ...لامتلأت أدارج المدعي العام بالشكاوى ، هذه النخبة هي التي صورت التحالفات مع المجتمع للرؤساء على أنها مجرد أعباء ...وهذه النخبة هي التي قدمت (الشرق أردني) في إطار الاتكالية والبحث فقط عن مكاسب ...وهذه النخب هي التي حاولت اغتيال الروح الأردنية ، عبر القفز عن الإرث والقيم إلى طرح مفهوم الإصلاح برؤية برجوازية ويسارية ..دون انتباه للقبيلة ودون أخذ التنوع في المجتمع بالحسبان ..
هذه المسماة (نخب) هي الان تسكن دابوق وعبدون ودير غبار ، وانتقلت من (مفركة البطاطا) إلى (السباغيتي) ..
حين يتحرر أي رئيس من هذه الطغمة ، ويتجه لصلب المجتمع ..ويبني تحالفات قوية وعميقة ، حتما سيفهم الناس ...ويجري قفزات اقتصادية ، أنا لا أقدم رأيا شخصيا لكن كل الدراسات في العالم تؤكد أن القبول الإجتماعي للفكرة هو أساس النجاح في الإقتصاد ...
نحتاج الان لتحولات في عمل الحكومة ، وأظن أن الانسجام الحالي بين القيادات السياسية والأمنية في الأردن هو الأعلى منذ تأسيس الدولة ، فهل نستغل ذلك بالإنجاز ؟
حمى الله الملك
وسلمت البلد
عبدالهادي راجي المجالي

























