عبدالهادي راجي المجالي يكتب : غادر جمال حديثة الخريشا الحياة .
نبأ الأردن -
جمال هو الوحيد الذي لاتستعمل في نعيه جملة : عن عمر يناهز ...الأصل أن نحسب لهذا الهرم ، كم اغرق في البداوة .. كم اغرق في الرجولة ، في حب البلد ، في الصبر ...العمر ليس مهما مع جمال ، بل المهم هو المروءة التي امتلكها .. وعمر المروءة في التاريخ يزيد عن ألف عام ...اختصرها جمال في سنة واحدة من حياته فقط .
مات الحر البدوي ، والعسكري الذي ربط ( البوريه ) بالجبهة السمراء فقط .
يقولون أن للبدوي لهجة ولغة خاصة ، يقولون : انك تعرفهم من لهجتهم ... جمال لم تكن اللغة على لسانه تخرج بلكنة بدوية خالصة ، بل كانت اللغة قرارا وموقف ...شاهدته في مجلس الأعيان ذات مرة .. حديثه يجعل الحائط ينصت ، والمدى ، وقلبي ... أنا كنت استمع له بقلبي وليس بأذني ..
رحمك الله يا أعلى نخلات البلد ، وأجمل مساءات البدو ، رحمك الله .... لأنك جعلت الصمت ينطق ، إن صمتك في لحظة كان يشبه سحب اقسام بندقية ... ورحمك الله وأنت تحمل على أكتاف النشامى وتودع التراب الأردني الحر ...ورحمك الله حين يبكي العقال على غيابك ..لقد تشرف العقال أنه انحنى ذات يوم على سفح الرؤوس العالية ...ورحمك يا سيد العيون الذابلة .. ويا أبهى فتى بدوي ، غادر الحياة ... لكنه رفض ان يترك الصحراء ...دون ان يمهر توقيع الزعامة على رملها ، دون ان يوصيها أن تكون حنونة على البدو ...والصحراء ما عشقت غير العيون الذابلة ، وما انحنى نخلها لغير جمال ...
رحمك الله يا جمال ... كنت من شوامخ البلد ، ومن أقمارها ... وقد غبت ، لكن ذكرك حتما سيبقى مضيئا ، في ليل الساهرين وفي المجالس وصفحات الكتب ، وفي نار البدو التي لا تخبو ...كنت وهج نارهم ، وكنت الضوء فيهم ... والمنايا عندك كانت هي الحطب .
رحمك الله

























