العلاقات الأردنية – الإندونيسية… إرث دبلوماسي يمتد لثلاثة أرباع قرن ومسارات تعاون تتسع

{title}
نبأ الأردن -
حين يلتقي الانضباط الأردني بالتجربة الإندونيسية.. 

شرف الدين ابورمان

لاقت الزيارة الملكية لإندونيسيا اهتماما خاصا؛ وكان ذلك واضحا من حجم استقبال الجانب الإندونيسي لجلالة الملك؛ وتخطي البروتوكولات التقليدية لديهم في الاستقبال؛ مما يوضح حجم الاهتمام والتفاعل الإندونيسي فيها.

تتقدم العلاقات الأردنية–الإندونيسية اليوم كواحدة من أكثر العلاقات الدولية ثباتاً واستمرارية؛ إذ تعود جذورها إلى عام 1951؛ وفي العام المقبل تستعدّ عمّان وجاكرتا للاحتفال بمرور 75 عاماً على هذا المسار الدبلوماسي الذي ظلّ قائماً على الاحترام المتبادل وحسن الفهم السياسي.

ومنذ البدايات الأولى؛ تشكّلت العلاقة على أرضية سياسية راسخة؛ فقد كانت إندونيسيا تُغطّى دبلوماسياً من سفارة الأردن في بغداد؛ ثم جاءت محطة عام 1955 لتشكّل علامة فارقة، حين شارك الأردن في مؤتمر آسيا–إفريقيا (باندونغ) الذي وضع الأسس الأولى لحركة عدم الانحياز؛ وقد حضره آنذاك رئيس الوزراء الراحل هزاع المجالي، مثبتاً حضور الأردن بين الدول 
المعتدلة.

واتسمت العلاقات الثنائية عبر العقود بالانسجام السياسي والتفاهم العميق؛ إذ يجتمع البلدان على رؤية واحدة تجاه الاعتدال ونصرة قضايا الأمة، خصوصاً القضية الفلسطينية؛ وعلى الرغم من أن إندونيسيا أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، إلا أن دستورها منذ عهد سوكارنو يقوم على الفصل بين الدين والسياسة؛ وهو ما تعامل معه الأردن بوعي واحترام، ما مكّن البلدين من بناء علاقة مستقرة ومتوازنة.

وجاء عام 1998 ليضيف بُعداً إنسانياً وسياسياً مهماً للعلاقة؛ ففي ظل الأزمة التي رافقت سقوط نظام سوهارتو، غادر الجنرال برابوو سوبيانتو – الرئيس الإندونيسي الحالي – بلاده طوعاً؛ وفي تلك المرحلة نشأت علاقة خاصة بينه وبين سمو الأمير عبد الله بن الحسين، قائد العمليات الخاصة آنذاك؛ حيث استقبله الأردن ومنحه رعاية رسمية خلال فترة إقامته؛ قبل أن يعود إلى جاكرتا عام 2000 ليعيد بناء موقعه السياسي ويؤسس لاحقاً حزب "إندونيسيا العظمى” الذي أصبح اليوم ثاني أكبر الأحزاب في البلاد.

ولم تتوقف أصداء تلك العلاقة الشخصية بعد عودة برابوو؛ بل حافظ على صداقته مع جلالة الملك عبد الله الثاني؛ وبقيت هذه الثقة أحد أعمدة الاستقرار في العلاقات الثنائية؛ ومع فوزه في الانتخابات الأخيرة وتوليه رئاسة الجمهورية، تدخل العلاقات الأردنية–الإندونيسية مرحلة جديدة تتسع فيها فرص التعاون المشترك.

وعلى الصعيد السياسي؛ يقف البلدان على أرضية مشتركة صلبة؛ فكلاهما يدافع عن صورة الإسلام المعتدل؛ وكلاهما يلتزم دعماً ثابتاً لحل الدولتين؛ فيما ينصّ الدستور الإندونيسي صراحة على عدم جواز إقامة علاقات مع أي دولة احتلال قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة؛ وهو موقف يعكس انسجاماً كاملاً مع الثوابت الأردنية.

وفي السياق ذاته؛ تمتلك المؤسستان الدينيتان جسوراً قوية، خصوصاً عبر "الجمعية العلوية” الإندونيسية التي تنظر إلى جلالة الملك بوصفه امتداداً لمرجعية آل البيت؛ وهي علاقات يتابعها الديوان الملكي من خلال مكتب سمو الأمير غازي بن محمد.

وعلى المستوى الاقتصادي؛ تتقدم إندونيسيا كقوة عالمية صاعدة؛ فهي ثاني أكبر مستورد للفوسفات الأردني بعد الهند؛ كما ترأست العام الماضي مجموعة العشرين؛ ما يعزز من أهمية بناء شراكات اقتصادية جديدة؛ ويفتح الباب أمام فرص واسعة في الصناعات الغذائية الشهيرة، مثل صناعات الإندومي والمنتجات المصدّرة عالمياً؛ إلى جانب الاستفادة من الموقع الجغرافي للأردن واتفاقياته الدولية لإطلاق خطوط إنتاج مشتركة.

وتبرز أيضاً فرص نوعية في مجالات أخرى؛ فالسياحة الدينية باتت بوابة مهمة، إذ يشتهر الشعب الإندونيسي بولعه بزيارة المواقع الروحية في المنطقة؛ كما يتزايد الإقبال على دراسة اللغة العربية والشريعة في الجامعات الأردنية؛ وهناك كذلك مجال واسع للتعاون الدفاعي والصناعات العسكرية، خاصة مع اهتمام الرئيس برابوو بملف الأمن القومي؛ إضافة إلى خبرة الأردن العميقة في ملف الأمن الغذائي والزراعة، وقدرته على تزويد إندونيسيا بالأسمدة والفوسفات؛ فضلاً عن إمكانية سد فجوة إنتاجية كبيرة لدى الإندونيسيين في قطاع الألبان.

وبذلك؛ تبدو العلاقات الأردنية–الإندونيسية أكثر من مجرد علاقة دبلوماسية تقليدية؛ فهي نموذج لشراكة سياسية وإنسانية واقتصادية متكاملة؛ تستند إلى تاريخ طويل، وثقة متبادلة، ورؤى مشتركة، وفرص واعدة تمتد نحو المستقبل.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير