أمجد العواملة يكتب:الجوع ثلاثي: خبز، عقل، كرامة
نبأ الأردن -
الجوع يا دولة رئيس الوزراء ويا ممثلي الشعب ليس مجرد حالة بيولوجية، بل هو أخطر ما في الوجود، لأنه يهدد معنى الإنسان ذاته ويهدم الكرامة قبل أن يهدم الجسد، ويحوّل المواطن إلى تابع، والوطن إلى أرض بلا روح، والإنسان إلى ظل يبحث عن لقمة بدل أن يبحث عن معنى. في قاعة البرلمان تُناقش الموازنة العامة لعام 2026، تُستعرض الأرقام وتُوزّع البنود وتُرفع الشعارات عن التنمية والاستقرار، لكن الحقيقة الصادمة أن الجوع يظل حاضرًا في الشارع أكثر من أي رقم على الورق، فما قيمة الموازنة إذا لم تُشبع بطون الفقراء، وما جدوى القوانين إذا ظل المواطن يبحث عن رغيف الخبز، وما معنى البرلمان إذا لم يكن صوتًا للجائعين.
الجوع الأول هو جوع لقمة العيش، حين يُترك الإنسان أسير الحاجة ويُختزل الوطن إلى أرض بلا حماية. والجوع الثاني هو جوع العقل، حين يُفرغ التعليم من محتواه ويُقصى الفكر ويُحرم المواطن من المعرفة التي تُحرره، فيتحول البرلمان إلى واجهة فارغة والحكومة إلى سلطة بلا رؤية والأحزاب إلى شعارات بلا مضمون. أما الجوع الثالث فهو جوع الكرامة، وهو أخطرها جميعًا، حين يُهان الإنسان ويُقصى المواطن ويُفرّط بالوطن، فيتحول الجوع إلى إذلال والهوية إلى ورقة والإنسان إلى ظل بلا قيمة.
كل الأنظمة والقوانين والحكومات والبرلمانات والأحزاب والمؤسسات والهيئات والمنظمات وُجدت لخدمة المواطن، فإذا لم تُحارب الجوع فإنها تفقد شرعيتها وتتحول إلى هياكل بلا روح. الموازنة التي لا تضع الإنسان في مركزها ولا تُعطي الأولوية لمحاربة الفقر والجوع هي موازنة بلا رسالة وبلا معنى، والجوع يفضح كل خطاب رسمي ويكشف أن الأرقام مهما تجمّلت لا تستطيع أن تُخفي فراغ المعدة ولا أن تُسكت صرخة الأطفال.
الإنسان هو جوهر الرسالات السماوية، خُلق ليُعمّر الأرض بالعدل والحق والجمال، والمواطن هو الإنسان حين يتجذّر في أرضه ويحوّل الانتماء إلى فعل يومي، والوطن هو الإطار الذي يحمي هذا الإنسان ويصون كرامته ويمنحه الشرعية، والفنان هو من يجسد هذا المثلث في صورة حيّة، هو الذي يحوّل القلق الجماعي إلى طاقة إصلاحية والغضب إلى صرخة بصرية وصوتية ودرامية، هو الذي يجعل المواطن وطنًا والوطن إنسانًا والإنسان مشروعًا للكرامة.
الجوع هو الامتحان الحقيقي للموازنة، والجوع الثلاثي – خبز، عقل، كرامة – هو المعيار الذي يُسقط كل خطاب فارغ ويُثبت كل سياسة صادقة. فمن لا يُحارب الجوع لا يُحارب الفساد، ومن لا يُشبع المواطن لا يحمي الوطن، ومن لا يضع الإنسان في قلب الموازنة لا يستحق أن يُسمى ممثلًا للشعب.
أمجد العواملة – منتج

























