د. وليد العريض يكتب: الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء(33)
نبأ الأردن -
حين صارت الثعالب سادةً وصار الدعاء رجعَ صدى...
حين يغيبُ العدل، يعلو صهيلُ النفاق…
وحين يُعاقب الصادقُ، يرقص الكذبُ في موكبِ الولاء.
كان الصباحُ في الغابة يشبه الأملَ حين يولد في عيون المساكين
تغنّي البلابل فوق أغصانٍ لا تعرف الخوف
وتتبادلُ السناجبُ الندى كتحيةٍ للحياة
وتحرس الذئابُ أطرافَ الأرض كأنها عهدٌ مع الله.
لكنّ رائحةً غريبةً هبّت ذات يوم
ريحٌ تحمل في طيّاتها لونَ الدهاء وصوتَ الذهب.
وفي ذلك اليوم اجتمعت الحيوانات لاختيار حكّام الغابة
فاختبأت الثعالب في العشب الطويل
تُوزّع الجزرَ والوعودَ والتعاويذَ
وتهمس:
نحن الأصل، والباقونَ فروع.
وحين أُغلقت صناديقُ الاقتراع المصنوعة من جذوعٍ جوفاء
خرجت النتيجة كأنها حُفرت قبل الميلاد:
كلّ المناصب ذهبت إلى ذوي الذيول الطويلة.
صفّق الجميعُ حتى الحميرُ التي لم تفهم شيئًا
وظلّت البومةُ وحدها ترفرف فوقهم وتقول:
. "العدل لا يُورَّث يا أبناء الغابة.
لكنّ مكبّرات الريح كانت تذيع نشيدًا جديدًا:
من لا يُمجّد العواء… لا يستحق البقاء.
منذ ذلك اليوم تغيّر المطرُ وجهتَه.
صار يسقطُ على خيام الثعالب أولًا
ويُسقيهم غيثًا من ذهبٍ وسمن
ثم يتبخّر قبل أن يصلَ إلى الحقول العطشى.
حتى الضوءُ صار يعرف طريق الولاء
يمرّ على قصورهم قبل أن يلمس وجهَ الشجر.
الظباءُ التي اعتادت الركض في الحقول
صارت تمشي خجلى
والحميرُ تعلّمت أن تصفق بدلًا من أن تعمل
والبومُ تُنفى لأنها رأت ما لا يُقال.
أما القرود فصارت تُدير المهرجانات
وتمنح شهادات الإخلاص الوطني لمن يصفّق أكثر.
في المساء جلست سلحفاةٌ عجوز تحت جذعٍ مائل وقالت:
كنا نحلم بغابةٍ يتساوى فيها الجميع،
فإذا بها تُباع بالدم، وتُقسم بالولاء.”
وفي ليلةٍ غائمةٍ من الخيبة
صعد غرابٌ أسود إلى شجرةٍ محترقة
ونقَر على اللحاء وكتب بمنقاره:
في الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء…
الثعالبُ تخطب في الطهارة
الحميرُ تكتب الدساتير
والبومُ تُنفى لأنها تذكّرت الحقيقة.
ثم طار الغراب تاركًا أثر جناحين في العتمة
وقال صدى صوته وهو يبتعد:
ما عادت الغابةُ غابة…
صارت صحراءَ باردةً من الأكاذيب
يعلوها دخانُ الطمع
ويتدلّى منها قمرٌ لا يُضيء
إلا للذيول الطويلة.
...
د. وليد العريض
مؤرخ، أديب، شاعر، وكاتب صحفي

























