ميسرالسردية تكتب:هوية واحدة لا تكفي

{title}
نبأ الأردن -
في كل مناسبة يبرز فيها اسم شخصية عالمية في السياسة أو الفن أو في ميادين العلم والرياضة، يقدمها الإعلام غالبًا بهوية مزدوجة: جنسية البلد الذي تنتمي إليه، ثم خلفيتها الدينية أو العقائدية إذا كانت ذات صلة.

لكن اللافت أن هذه الهوية نادرًا ما تُفصّل إلى أكثر من ذلك. فمثلاً، لا نسمع أحدًا يعرّف شخصية مشهورة بأنها "الأمريكي اليهودي القرائي أو الربّاني"، أو "الأوروبي المسيحي الكاثوليكي أو البروتستانتي"، رغم وجود تنوع مذهبي واضح في تلك الأديان. فاختلافات الفكر والعقيدة بين مذاهبها عميقة، لا تقل عن تلك الموجودة بين المذاهب الإسلامية.

الأمر يختلف تمامًا حين يكون صاحب الإنجاز مسلمًا. في هذه الحالة، يُشار بسرعة إلى مذهبه، وكأن الانتماء الديني لا يكتمل إلا بتفصيل مذهبه. المثال الأحدث على ذلك ما رافق فوز زهران محمداني بمنصب عمدة نيويورك الجديد، حيث لم تخِلُ الأخبار والتقارير من وصفه بأنه "مسلم شيعي"، وتجاوز بعض الكتاب والمؤثرين ذلك إلى ذكر المذهب الذي تنتمي إليه زوجته السورية. وإذا كان الهدف من ذكر دين ومذهب الرجل لم يحقق غايته في صناديق اقتراع نيويورك، فلماذا الإصرار على استخدام هذه الهوية حتى في منافذ الإعلام خارج أمريكا، وخاصة العربية منها؟

هذا التركيز على الهوية المذهبية ليس جديدًا؛ فهو امتداد لنهج إعلامي يحرص على إبراز الانقسامات داخل المجتمعات المسلمة، في الوقت الذي يُعامل فيه أتباع الديانات الأخرى بوصفهم هوية موحدة لا تتجزأ. وقد يعكس هذا أسلوبًا سائدًا في كثير من وسائل الإعلام الغربية تجاه المسلمين في أوطانهم أو في بلدان المهجر، ويتصل بذلك توظيف سياسي وثقافي سلبي يهدف إلى تكريس صورة الانقسام وإضعاف الحضور الإيجابي للمسلمين على الساحة العالمية.

هنا يبرز سؤال جوهري: هل يُنسب أي إنجاز لصاحبه بسبب المذهب الذي ينتمي إليه، أم للشخصية نفسها بما تمتلكه من قدرات، واجتهاد، وتجربة إنسانية؟ ولا يُستبعد، إن استمر هذا النهج، أن نصل في المستقبل إلى تعريفات أكثر تفصيلًا للمسلمين داخل المذهب الواحد، كأن يُقال: "مسلم سني أشعري" أو "مسلم ذو مرجعية وهابية" أو "مسلم إباضي"، وهي تصنيفات لا تُستخدم مطلقًا مع أتباع الديانات الأخرى.
فوز محمداني مرتبط مباشرة بالناخبين، سواء على مستوى الخدمات والمصالح، أو بالنظر إلى جديته في إعلانه المبادئ ومواقفه من الأحداث الخارجية. نتمنى له التوفيق والنجاة من المفرمة الإعلامية والسياسية.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير