عبدالله بني عيسى يكتب :التضامن الغربي مع قضايانا .. كما ينبغي أن يُفهم

{title}
نبأ الأردن -
يشكّل صعود زهران ممداني، المرشح الأبرز لمنصب عمدة نيويورك، نموذجاً دالاً على التحوّل العميق الذي يشهده الوعي الغربي في علاقته بالقضية الفلسطينية.
فهذا الشاب الأميركي من أصول عربية، الذي بنى حملته الانتخابية على قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، لم يتردد في إعلان تضامنه مع غزة ورفضه للسياسات الإسرائيلية علناً، في مشهد لم يكن مألوفاً في السياسة الأميركية قبل سنوات قليلة.
لكن ما يجب التوقف عنده أن تأييد ممداني، وغيره من رموز اليسار الغربي، لا ينطلق من الانتماء القومي أو الديني، بل من منظومة قيمية جديدة ترى في فلسطين نموذجاً لمعركة كونية ضد الظلم والتمييز.
ما نشهده اليوم في الغرب ليس انقلاباً في الموقف من العرب أو الإسلام، بل تحوّل في فهم العدالة ذاتها. فالقضية الفلسطينية لم تعد في نظر كثيرين هناك "صراعًا شرق أوسطيًا”، بل مثالاً حياً للظلم، يُقاس على قضايا أخرى تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الأقليات، وهي المنظومة نفسها التي تقف خلف الدفاع عن حرية الإجهاض، والتحول الجنسي، وحرية الأديان والتعبير.
من هنا، فإن المتضامنين مع فلسطين في الغرب هم غالباً التيار "التقدّمي" الذي يؤمن بالحرية الفردية المطلقة، لا بالهوية الجماعية أو الثوابت الدينية. وهذا يتباين جذرياً مع نظرتنا نحن في العالم العربي إذ ننظر إلى فلسطين من زاوية الانتماء والحق التاريخي والعقيدة والكرامة الوطنية.
وهذا يعني أن الالتقاء القائم اليوم هو التقاء مؤقت، يجمع الطرفين على رفض القتل والظلم، لا على وحدة المرجعيات الفكرية أو الأخلاقية. لكن هذه المساحة المشتركة قد تتلاشى حين تتباين الأولويات وتبرز التناقضات. فالتيار الذي يرى في التحول الجنسي حقاً مقدساً، لا ينظر إلى الدين أو التقاليد بالطريقة ذاتها التي ننظر بها نحن أبناء هذه المنطقة.
وحين تهدأ الحرب وتعود القضايا إلى سياقاتها، سيكتشف كثير من العرب أن هذا التعاطف كان نابعاً من قيم الغرب هو، لا من قيمنا.
إدراك هذه الحقيقة قد لا يقلل من أهمية التضامن الغربي مع الفلسطينيين، لكنه ينزع الأوهام التي راكمها الخطاب العربي الشعبي عن "تبدّل الغرب" أو "صحوة ضميره الجماعية" أو كما ذهب البعض "الدخول في الإسلام أفواجا".
فالواقع أن هذا الوعي الجديد ليس انحيازاً للعرب، بل إعادة تعريفٍ للعدالة داخل الوعي الغربي نفسه. وما دُمنا ندرك هذا الفارق، يمكننا أن نحترم هذا التضامن الإنساني من دون أن نعلّق عليه أحلاماً سياسية أو ثقافية أكبر من طاقته.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير