م.صلاح طه عبيدات يكتب:زيت الكفارات بين الأصالة وخداع المستهلك
نبأ الأردن -
كأنّ الزيت — هذا الذهب الأخضر الذي يسكن جرّة الفخار — يحمل في قطرةٍ منه ذاكرة الأرض، وعرق الفلاح، ونبض الجبل حين يعانق غيم تشرين.
لكن ما أشدّ قسوة أن يُدنَّس هذا النقاء حين تمتدّ إليه يدُ الغشّ، فتخلط الطهر بالزيف، والأصالة بالمصطنع، فيغدو الزيت — الذي كان بركةً — لعنةً على الضمير قبل أن يكون خداعًا للمستهلك.
في الكفارات، حيث الزيتون ليس شجرةً بل سلالةُ انتماءٍ وجذور، يصبح كل معصرةٍ معبدًا، وكل قطرة زيتٍ صلاةً للأرض.
فكيف يجرؤ البعض أن يطفئ شمعة الصدق في هذا المعبد؟ أن يكتب على العبوة "من الكفارات” وهو يعلم أن الزيت غريب الوجه واللسان؟!
إنها ليست مخالفةً تجارية فحسب، بل جريمةٌ ضدّ الذاكرة، واغتيالٌ لهويّةٍ عمرها قرون.
الرقابة هنا ليست ورقةً رسمية تُوقّع، بل موقفٌ أخلاقيّ تُقاس به قيمة الدولة وهيبتها.
فحين يُترك الغشّ يمرّ بين الأصابع، فإننا لا نفقد الثقة في منتجٍ فحسب، بل نفقد ما هو أعمق: الإيمان بأن الصدق ما زال له مكانٌ في الأسواق.
زيت الكفارات، يا خلاصة التراب والضياء، سيبقى لك مذاق الحقيقة ولو غشّوك بألف كذبة.
لأن النقاء، وإن أُخفي في الظلّ، يعرف طريقه دومًا إلى الضوء.

























