د.خليل النظامي يكتب : خطاب الانضباط أم ضبط الخطاب؟

{title}
نبأ الأردن -

قراءة نقدية في تصريح مازن القاضي

يطرح تصريح مازن القاضي، الذي دعا فيه الأردنيين إلى : "الانضباط على إيقاع حركة الدولة وألا يكونوا عبئا عليها”، جملة من الإشارات السياسية التي تستحق قراءة نقدية تتجاوز ظاهر الدعوة إلى "الانضباط”، لتفكك بنيتها الخطابية ودلالاتها السياسية والاجتماعية.

فالعبارات المستخدمة في التصريح تحمل حمولة سلطوية واضحة، خاصة ان مفردة "الانضباط” ليست مصطلح مدني بل تنتمي إلى القاموس الأمني والعسكري، ما يوحي بفكرة أن الدولة هي الجهة القائدة الوحيدة والمواطنين تابعين يتحركون وفق إيقاع تحدده السلطة مسبقا.

وهذا الخطاب يمكن ان يفهم على انه محاولة لرسم مفهوم "الدولة الوصية” التي تحدد للمجتمع وتيرة الحركة ومجال الفعل، لا مفهوم الدولة التشاركية التي تصغي وتتعلم من دينامية المجتمع.

وكما درسنا في الأدبيات السياسية، فيفترض بالدولة الحديثة أن تكون خادمة لمواطنيها، وأن يقاس أداؤها بقدرتها على تلبية احتياجاتهم وضمان حقوقهم،، 

والجميع يعرف ان المواطن الأردني له الحق في التعبير عن رأيه، ونقد الخطاب الرسمي جزء أصيل من بناء الدولة الحديثة، كما كفله الدستور الأردني في المادة (15)، التي تضمن حرية الرأي والصحافة ضمن حدود القانون، إلى ذلك، فالصحافة ليست خصم للدولة، بل شريك في تصويب مسارها وكشف مواطن الخلل في أدائها،، 

وحين يفهم النقد الموضوعي على أنه تهديد، حتما ستصاب الحياة السياسية بالجمود، وتفقد الدولة إحدى أهم آليات التطوير الذاتي، فحرية الصحافة ليست ترف، بل شرط لاستقرار الدولة وازدهارها، لأنها تضمن الشفافية والمساءلة وتمنح المواطنين ثقة بأن صوتهم مسموع ومؤثر. 

أما أن يطلب من مكونات الدولة والمواطنين على وجه الخصوص أن ينسجموا مع "إيقاع الدولة”، فذلك يعكس انقلاب في المعادلة الديمقراطية، حيث تصبح الدولة هي الغاية والمواطن هو الوسيلة، بينما الأصل أن الدولة وسيلة لخدمة الإنسان والمجتمع،، 

إلى ذلك، يأتي هذا التصريح في سياق أردني مشحون، من أزمة اقتصادية وتراجع الثقة بالمؤسسات، واحتقان سياسي متراكم، وفي مثل هذه الظروف، يكون الخطاب الذي يطالب بالانضباط خطاب دفاعي أكثر منه إصلاحي، هدفه احتواء المزاج الشعبي لا معالجته. 

وما تحتاجه الدولة الأردنية ليس انضباط المواطنين على إيقاعها، بل إعادة بناء إيقاعها نفسه ليصبح متناغم مع حاجات الناس وتطلعاتهم، والمطلوب هو انضباط الدولة بالقانون والشفافية والمحاسبة، لا انضباط المجتمع بالخوف، خاصة ان المجتمعات لا تزدهر بالامتثال بل بالمشاركة، ولا تستقر بالصلابة بل بالثقة المتبادلة،، 

وليس المطلوب رفض الانضباط بحد ذاته، بل إعادة تعريفه بما ينسجم مع قيم الحرية والمواطنة، فالمجتمع لا يبنى على الفوضى، كما لا ينهض على التبعية العمياء، والانضباط الحقيقي هو التزام بالقانون واحترام للمصلحة العامة، يقابله حق مكفول في النقد والمساءلة.

والدولة التي تطلب من مواطنيها الانضباط ، مطالبة في المقابل بأن تضمن لهم حرية التعبير والمشاركة، خاصة ان التوازن بين الانضباط والحرية هو ما يصنع دولة قوية عادلة، ومجتمع ناضج قادر على تصويب مسار سلطته لا الخضوع لها. 

وتصريح مازن القاضي يعكس رؤية إدارية منضبطة لكنها سياسية محافظة، تستبطن خشية من الفوضى، لكنها في الوقت ذاته تغفل أن غياب العدالة هو مصدر الفوضى الحقيقي. 

إضافة إلى ذلك، إيقاع الدولة لا يفرض من فوق، بل يبنى من تفاعل حي بين مؤسسات الدولة ومواطنيها، فحين يختزل الاستقرار في الطاعة، تفقد السياسة معناها، وتتحول الدولة إلى آلة تطلب الانصياع بدل أن تنتج الإقناع.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير