وائل منسي يكتب : الذكاء الاصطناعي لن يأخذ وظائفكم

{title}
نبأ الأردن -
الذكاء الاصطناعي لن يأخذ وظيفتك… بل من يستخدمه سيفعل
مقاربة تنموية في ضوء اقتصاد السوق الاجتماعي والديمقراطية الاجتماعية

يختصر الرئيس التنفيذي لشركة NVIDIA، جنسن هوانغ، التحول الجذري في طبيعة العمل والمعرفة بعبارة أصبحت شعارًا لعصرٍ جديد: «الذكاء الاصطناعي لن يأخذ وظائفكم، بل الشخص الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي هو من سيأخذها.» هذه الجملة تتجاوز التحذير التقني لتعبّر عن واقعٍ اقتصادي اجتماعي جديد، يُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والعمل وبين التكنولوجيا والتنمية.

فالذكاء الاصطناعي لا يلغي الوظائف بقدر ما يعيد توزيعها وإعادة صياغة مهاراتها.
إنه يفتح الباب أمام ولادة اقتصاد جديد، قوامه المعرفة والتكامل بين التقنية والإنسان.
ومن هذا المنطلق، تصبح مقاربة اقتصاد السوق الاجتماعي إطارًا مثاليًا لفهم هذا التحول وتوجيهه.
فهذا النموذج لا يرفض السوق ولا يتبنى الانفلات الرأسمالي، بل يسعى لتحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
والذكاء الاصطناعي، إن أُحسن توظيفه، يمكن أن يكون الأداة الأكثر قدرة على تحقيق هذا التوازن.
في جوهر اقتصاد السوق الاجتماعي، يُعدّ الإنسان محور التنمية، والسوق وسيلة لا غاية.
ومع صعود الذكاء الاصطناعي يتعمق هذا المبدأ: فالقيمة الحقيقية لا تكمن في التقنية بحد ذاتها، بل في قدرة الإنسان على توظيفها لصالح رفاه المجتمع وعدالة الفرص.
بمعنى آخر، لا يكفي أن نطور أدوات ذكية، بل يجب أن نبني مجتمعًا ذكيًا قادرًا على التعامل معها دون أن يُقصى أحد من ثمارها.
وهنا تتقاطع المبادئ الديمقراطية الاجتماعية مع التحول الرقمي: فكما تدعو الديمقراطية الاجتماعية إلى العدالة، والمشاركة، وتكافؤ الفرص، فإن التحول التكنولوجي يجب أن يُدار بمنطق "الحق في الابتكار” و”الحق في الوصول الرقمي”.
أي أن كل مواطن سواء كان في عمّان أو المفرق أو الكرك يجب أن يمتلك حق التعلم الرقمي، وفرصة الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير معيشته أو مشروعه أو خدمته المجتمعية.
ومن منظورٍ تنموي، لا يمكن فصل هذه الرؤية عن إعادة هيكلة سوق العمل الأردني، بحيث يتحول القطاع التكنولوجي من قطاع ريادي صغير إلى المشغل الرئيس للوظائف الجديدة، ليس فقط في البرمجة والتصميم، بل في الزراعة الذكية، والصحة الرقمية، والتعليم المدمج، والإدارة المحلية الذكية. فالتحول إلى اقتصاد ذكاء اجتماعي يعني نقل التشغيل من "العضلات إلى العقول”، ومن الوظائف التقليدية إلى اقتصاد المهارة الرقمية والابتكار الاجتماعي.

توظيف الذكاء الاصطناعي ضمن إطار السوق الاجتماعي لا يعني فقط تعزيز النمو، بل توجيهه نحو العدالة: فكما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق فجوات جديدة، يمكنه أيضًا أن يُغلق فجوات قديمة إذا ما تم توظيفه لتمكين الفئات المهمشة، وتوسيع نطاق التعليم والتدريب الرقمي، وتيسير الوصول للخدمات.
التحول المطلوب إذًا ليس تقنيًا فقط، بل ثقافي ومؤسسي.
يجب أن تتبنى السياسات العامة رؤية تجعل من التحول الرقمي مشروعًا وطنيًا للتمكين لا للاستبدال، وأن تستثمر الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في بناء القدرات الرقمية للمواطنين، وإدماج التكنولوجيا في منظومات العمل والتنمية والخدمات.
المستقبل لن يكون لمن يخاف الذكاء الاصطناعي، بل لمن يستخدمه لخدمة الإنسان والاقتصاد والمجتمع. وكما في جوهر الديمقراطية الاجتماعية، يبقى الهدف النهائي هو اقتصاد قوي بسوق حرّ منضبط بعدالة اجتماعية، وإنسان قادر على قيادة التكنولوجيا لا أن يُقاد بها.
إن الذكاء الاصطناعي لا ينتزع الوظائف، بل يعيد تشكيلها، ويفتح أفقًا لاقتصادٍ أكثر عدلاً وابتكارًا، شرط أن نؤمن بأن التنمية ليست صراعًا بين الإنسان والآلة، بل شراكة بين العقل البشري والقدرة الحسابية، في سبيل مجتمع أكثر عدالة وكفاءة وإنسانية.
وسيتم بحث هذه المواضيع وأكثر في المؤتمر الدولي للتميّز المؤسسي والذكاء الاصطناعي الذي سيعقد الشهر القادم.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير