د. وليد العريض يكتب:حين يتحوّل الصديق إلى عدوّ: خيانةُ الذاكرة لا الجسد
نبأ الأردن -
أسوأُ الأعداءِ ليس ذاك الذي وُلدَ عدوًّا، بل الذي اقترب يومًا من القلب وسكنَ فيه على هيئةِ صديق. كان يسمعُ وجعك بصبرٍ يشبه الإخلاص، ويشاركك الخبز والماء والظلّ، حتى حسبتَهُ بعضَكَ. ثمّ في لحظةٍ خفيةٍ، انقلبَ عليك، لا لشيءٍ إلا لأنّ قلبه ضاقَ بصفائك، أو لأنّ مرآتكَ أظهرتْ له وجهَه الحقيقيّ.
العداوةُ التي تأتي من الغريب يمكن التماسُ العذرِ فيها؛ أمّا تلك التي تُولدُ من رحمِ الصداقة فهي خيانةُ ذاكرةٍ لا تُغتفر. فالصديقُ حين يطعنك لا يُريقُ دمك فقط، بل يسرقُ ملامحَ الأمان من روحك ويُطفئُ آخرَ قنديلٍ كان يحرسُ صدرك.
لقد تعلّمتُ أنّ الخيانةَ لا تحتاجُ إلى خناجر، يكفي أن يصمتَ الصديقُ في لحظةٍ تحتاجُ صوته، أو يبتسمَ لمن جرحك، أو يبيعَ سرّك بثمنِ ضحكةٍ عابرة.
وهنا، لا تموتُ الثقة فقط، بل تموتُ البراءة التي كانت فيك.
ومع مرورِ الوقت نكتشفُ أنّنا لا نحزنُ لأنّهم خانوا، بل لأنّنا أحببناهم يومًا بصدقٍ لا يشبهُهم.
ولذا كانت الحكمةُ القديمةُ أصدقَ من كلّ تجاربنا:
أسوأُ الأعداء من كان صديقًا يومًا ما.
فذاك الجرحُ لا يُشفى بالانتقام
ولا يهدأُ بالعقل
بل يهدأُ فقط حين يُدرّبُ القلبُ نفسه على النسيان.
وقصيدي :
خَانَ الصَّدِيقُ فَجَاءَ الحُزْنُ يَحْتَدِمُ
وَانْكَشَفَ الوَجْهُ لِلسَّيْفِ الَّذِي انْثَلِمُوا
مَا أَقْسَى الوَجْعَ إِنْ جَاءَتْ سُيُوفُهُمُ
مِمَّنْ كَفَفْتَ لَهُ دَمْعًا وَمَا عَظُمُوا
كَانُوا جِمَالَكَ فِي يَوْمِ الرَّخاءِ فَإِذْ
ضَاقَ الفَضَاءُ غَدَوْا سُمًّا وَمَنْسِمُ
مَا خَانَ غَرْبَتَنَا عَدُوٌّ عَارِفٌ بِعَدَا
بَلْ خَانَ مَنْ زَعَمُوا حُبًّا وَمَا فَهِمُوا
يَا لَيْتَنَا لَمْ نُرَبِّ الحُبَّ فِي ثِقَةٍ
فَالثِّقَةُ الجَاهِلَةُ العُميَاءُ تُتَّهَمُ
إِنَّ العَدُوَّ الَّذِي لَمْ تَأْمَنِْ الخَطَرَا
أَهْوَنُ مِنْ صَاحِبٍ قَدْ بَاعَكَ القَدَرَا
لا تَأْمَنِ المَاءَ إِنْ غَنَّى لَكَ وَطَرًا
فَخَلْفَ مَوْجِهِ سِرٌّ يَجُرُّهُ الكَدَرُ
(من ديوان وجوه من الحياة).

























