طلال أبو غزالة لـ نبأ الأردن : هذه "أسرار" ارتفاع أسعار الذهب .. و2027 "سنة الحرب" (فيديو)
نبأ الأردن -
*اتفاق غزة الأخير "مسرحية" ولم أرى فيه فلسطين
*هل هناك "عالمية" أكثر مما جرى في حرب غزة؟!
*يشغلني تخلفنا في اللحاق بثورة المعرفة
*العالم مقبل على كساد كبير وحكوماتنا لا تحسب أي حساب
*يجب أن يحدث إصلاح واسع في الأمم المتحدة ونظام "الفيتو"
*نحن في الأردن بخير .. ويجب أن نعمل على "الاكتفاء الذاتي" ونتهيأ للقادم
حاوره نشأت الحلبي -
ما أن تدخل مكتبه، فأنت لا تدخل مكتباً عادياً، بل تجد نفسك في متحف، لكنه متحفٌ لشخصٍ واحد يحكي قصته من الألف إلى الياء.
تلك صور جمعته مع أشهر شخصيات الوطن والعالم، وتلك دروع أُهديت إليه من كثير من الجمعيات والمؤسسات والشركات والهيئات وغيرها، سواء في الوطن أو خارجه.
وفي زاوية أخرى، تجد كثيراً من الكتب سواء تلك التي قرأها أو أُهديت إليه، أو تلك التي ألّفها، ولعلها تتحدث عن كل شيء، وفي الصدر تمثالٌ شيدهُ فنان تركي يجعلك تشعر أنك أمام "صاحب الشخصية" نفسه.
هو الشخصية الأردنية الشهيرة والمفكر العربي، الدكتور طلال أبو غزالة، وعلى بعد خطوة من مكتبه الخاص، تسترجع بذاكرتك أنك ستجلس إلى رجل جدلي لطالما شكلت أفكاره وآراؤه حالة جدل سواء في السياسة أو الثقافة أو الاجتماع، أو حتى في التاريخ، لكن ومع ذلك، فإنك متأكد بأنك ستخرج بفائدة لا محالة، فتلك تجارب تراكمت عبر سنين طويلة، وهذا ما يعطيك راحة بأن أية فكرة ستسمعها، هي لم تأتِ من عبث، بل هي نتيجة تجارب وخبرات كثيرة.
دون مقدمات، دخلنا في الحوار :
نبأ الأردن: ما القضية التي تشغل طلال أبو غزالة الآن ويفكر بها؟
أبو غزالة: هناك قضايا كثيرة تشغلني حاليًا، وليست قضية واحدة فقط، بل عدة قضايا هي موضع اهتمامي في هذه المرحلة.
من أبرز ما يشغلني اليوم هو موضوع غزة، حيث أن الحقيقة هي عكس ما يُشاع، هذا الموضوع لم ينتهِ بعد. أظن أنه انتهى شكلياً فقط، بمسرحية مكررة، قد لا تختلف نتيجتها عن تجارب فاشلة كثيرة سابقة.
إنها أشبه بأصوات بدون أي نتيجة، فأنا لم أفهم الاتفاقية، ولم أرَ فيها وضوحا واعدا. لم أرَ فيها فلسطين، ولم أرَ فيها مستقبل غزة، لكن لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني الموضوع شغلنا، ولكن ثقتي كبيرة بعظمة الشعب الفلسطيني، وهو ما يطمئنني أنه لن ينطلي عليه أي شيء يتعارض مع حقوقه، فهو ضحى لسنتين واستطاع أن يهزم كل قوى الدنيا، ليس إسرائيل فقط، وترامب قالها علنًا: "أسلحتنا، وإحنا اللي دعمناهم، وإحنا اللي حاربنا"، ومع ذلك، أطول حرب في تاريخ المنطقة ولم تحقق أيا من أهدافهم.
والموضوع الآخر الذي يشغلني هو تخلفنا في اللحاق بثورة المعرفة، أقصد الأمة العربية كلها، وأنا لا أنتقد الأردن فقط، فأمتنا ما زالت تظن أن العالم لم يتغير، لكن العالم تغير. كنا في عالم الثورة الزراعية، ثم الصناعية، ثم التقنية الميكانيكية. والآن ثورة المعرفة، وأنا أواكب هذه الثورة منذ سنة 1965، عندما أخذت أول درس عن جهاز اسمه "ديجيتال بروسيسر" أنتجته "آي بي إم"، وكان الاختراع الأول من نوعه، وحجمه كبير جداً، والمعلومات مخزنة فيه وتجري بعد ذلك طباعتها. كان ذلك شيء عجيب جدا بالنسبة لي.
في تلك الفترة علمت أن هذه بداية وليست نهاية. فتابعت الموضوع وأصبحت تلميذاً لهذه الثورة، مما جعلني اُنتخب سنة 2001 في الأمم المتحدة لوضع سياسة العالم لتقنية المعلومات والاتصالات.
المؤسف أننا لم ندرك هذا التحول الذي حصل. ومع أني ناديت لسنين بالتحول الرقمي وضرورة التحول الرقمي في كل شيء — التحول الرقمي الشامل وليس فقط لحكومة رقمية، بل لشعب رقمي، لتجارة رقمية، ولبنوك رقمية، لأن المستقبل هو التفوق الرقمي. والدليل واضح، فأكبر خمس شركات في الدنيا اليوم، قيمتها ليست نفط ولا غاز ولا بنوك ولا عقار ولا مال، هي فقط برنامج كمبيوتر!
مع الأسف، كنت دائماً أنادي و"كأنني أنادي في صحراء خالية، قلت: يجب أن نتحول في كل شيء، في تعليمنا بداية، لأن كل شيء يبدأ بالتعليم، وأن لا نبقى في العصر الحجري، والعالم كله الآن في عصر المعرفة.
العالم كله الآن كذلك، والأمم المتحدة لا تميز بمستوى المعيشة ولا بمستوى الرواتب ولا بمستوى الثروة، بل بعدد المواطنين الرقميين؛ كم مواطن رقمي عندك؟ هذا هو الذي يصنفك. كلما زاد عدد المواطنين ونسبة المتعلمين رقميًا ومن يعملون رقميًا، كلما ارتفع تصنيفك.
أما الموضوع الثالث الذي يشغلني فهو أن العالم مقبل على كساد كبير. وحكوماتنا كلها تتخذ الإجراءات والاحتياطات الكفيلة بمواجهة ذلك.
قبل مئة سنة، كان في أمريكا رئيس اسمه هربرت هوفر، في عام 1930 أخذ نفس الإجراءات اللي أخذها ترامب، مع ذلك حصل الكساد الكبير، "The Great Depression”، وهو أكبر كساد في التاريخ. واليوم تتكرر ذات القصة. وقد بدأت آثار هذا الكساد تظهر على الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، ونحن دائمًا نتبع هذين الاقتصادين. وستنتقل آثاره إلى المنطقة والعالم السنة المقبلة. وستكون سنة 1927 سنة صعبة اقتصاديًا على مستوى العالم.
وأما الموضوع الرابع، فهو الحرب العالمية، والتي قلت إنها قادمة، فالحرب العالمية الثالثة بدأت فعلاً في أوكرانيا وانتقلت إلى الشرق الأوسط؛ في حرب غزة. فعندما نصل لمرحلة يتم بموجبها إنشاء مجلس إدارة، يرأسه رئيس أمريكا، يسمى مجلس السلام لغزة، فهل هناك "عالمية" أكثر من ذلك؟! كل قادة العالم قالوا عن موضوع الحرب العالمية إنها حقيقة واقعة، وأنا توقعتها منذ سنة 1985 عندما حضرت ندوة في واشنطن بالـNational Science Academy عن أين ستكون أمريكا عام 2020، فالأمريكيين بحكمتهم وذكائهم كانوا يدرسون مستقبل بلدهم، فكانت النتيجة منذ عام 1985 أنهم في عام 2020 سيواجهون تحدياً وجودياً من الصين. وكان التركيز منذ ذلك الوقت على منع هيمنة الصين على العالم بكل الطرق، تقنيًا واقتصاديًا وبأي مجالات أخرى.
وأنا أتوقع هذه الحرب، وأتوقعها الآن. وبحسب الحسابات، فإن سنة 1927 ستكون حبلى بالأحداث. والسبب أن هناك "جزيرة صغيرة" جنوب الصين اسمها تايوان تنتج البروسيسرز، "Conductor Chips”، التي تستخدم لتشغيل كل شيء في الدنيا. فلا طيارة تطير بدون بروسيسر، ولا سيارة تمشي، ولا كمبيوتر يشتغل، ولا مصنع يعمل بدونها، فهذه المحولات تقود ثروة العالم.
تايوان جزء من الصين، لكنها مُنحت الاستقلال لتكون مكان صناعة هذه التقنية لمصلحة أمريكا والصين. والآن اختلفت المصلحة. فقررت الصين أن تضم تايوان في سنة 2027. وأمريكا لن تقبل بهذا الحدث ببساطة. وأبسط سبب هو أن الشركات الأمريكية الكبرى في التكنولوجيا موجودة في الصين. وكل جهاز مثل الآيفون، مثلاً، مكتوب عليه صنع في الصين، فالحرب ستنتقل من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، ومن الشرق الأوسط إلى الصين. وعندها سيثبت للطرفين أنه لا حل إلا بنظام عالمي جديد، نظام ثنائي يديره الطرفان. أمريكا لا يمكن أن تحتل الصين. ولا العكس. وكل شيء سيكون اقتصادي، سيبراني، إلكتروني وتجاري. والاحتكاك العسكري سيبدأ بين الصين وأمريكا عام 2027.
ومن المؤشرات القوية على ذلك أن أمريكا فجأة جددت مطالبتها لامتلاك قاعدة باغرام في أفغانستان القريبة من الصين، أي لأقرب نقطة لضرب الصين.
أما أوروبا فهي تتأخر في المشهد. روسيا مع الصين، وبريطانيا مع أمريكا، وكوريا الشمالية مع الصين، كل شيء مرتبط بمصالح الدول الكبرى.
لدى الصين شرطان للانضمام للمنظمات العالمية، أهمهما: عدم ربط عملتها بالدولار. فكل عملات العالم مربوطة بالدولار، إلا الصين. وهذا الشرط سيبحث على طاولة المفاوضات سنة 2027، وتنتهي كل الحروب الدولية أو الثنائية على طاولة المفاوضات.
وهنا نذكر أن الصين حولت عملتها لرقمية، ومنعت التعامل بغيرها.
نحن الآن نتحدث عن صراع على عدة مواضيع، منها العملة ومنها أمور كثيرة أخرى سوف تُحسم على طاولة التفاوض. والمؤسف أننا في السنة الماضية سمعنا الرئيس الأمريكي السابق بايدن يقول: حان الوقت لنبحث فكرة تحويل الدولار إلى عملة رقمية، وهذا كله كلام فارغ لأن العمل الرقمية غير حقيقة، لأنه لا يصدرها بنك مركزي وليس لها نظام يحكمها وقانون ومحاكم تشتكي إلها. العملة الحقيقية هي عملة سيادية.
نبأ الأردن: حقيقة بدأنا نشعر أننا نستمع إلى محاضرة وليست مجرد مقابلة، ولكن قبل أن نتحدث عن الشأن المحلي، أسألك: أين ترى نقطة الأمل، والتحول نحو الازدهار؟
أبو غزالة: أنا أرى الأمل بنشوء نظام دولي عادل جديد وأمم متحدة جديدة. فلا بجوز لدولة واحدة أن توقف قراراً موافق عليه بالإجماع؛ كما هو المتبع حاليا بالنسبة للفيتو.
يعني 198 دولة يوافقون، ودولة وحدة ترفع يدها، فيسقط القرار؟
هذا الحق مُنح لخمس دول بعد الحرب العالمية الثانية. لماذا؟
أين الهند، أكبر دولة بعد الصين سكاناً؟
أين أفريقيا كلها؟
يجب أن يكون هناك إصلاح جذري للمنظمة الدولية، وحق الفيتو يجب أن يُلغى، فهو امتياز غير محقق لدول محددة دون أي مبرر لاستمراره.
أنا قدمت مشروع رسمي لإصلاح الأمم المتحدة، ويسعدني أن الأمين العام قال فعلاً حان الوقت لإصلاحها وشكّل فريق، لكن أنا متأكد أن الإصلاح سيكون تقنياً وليس جوهرياً. وأتوقع أن يتم سنة 2027، والتي ستكون سنة حاسمة عالمياً، ففيها احتكاك عسكري أكيد بين أمريكا والصين، وقد تكون شرارة لحرب عالمية جديدة.
نبأ الأردن: وهل ستكون حرب مدمرة مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية لتشمل كل دول العالم؟
أبو غزالة: لا، ليست بالحرب الكلاسيكية القديمة، بل حرب من نوع جديد — صواريخ، مسيّرات، روبوتات — ليس جيوش، وهذا حدث في حرب غزة، وما زال يحدث في الحرب الأوكرانية.
نبأ الأردن: وهل تتوقع أن يستخدم السلاح النووي؟
أبو غزالة: النووي ليس وارداً، لأن استخدام هذا الخيار يرتد على فاعله، ويقضي على نفسه قبل عدوه، ولذلك اسمه "سلاح ردع”، وليس سلاح حرب.
نبأ الأردن: في ظل كل هذا، أين ترى الأمة العربية؟
أبو غزالة: لا يجوز أن نحكم على الوضع العربي في ظل الظروف الجائرة الحالية، حيث يتآمر العالم بأسره على هذه الأمة من خلال ما يجري في بعض أهم المناطق وأقصد فلسطين وبما فيها غزة ولبنان وسوريا وقبل ذلك في العراق والسودان وليبيا والصومال. أملي كبير في أن هذا الوضع بالغ السوء سيتغير وستنهض هذه الأمة العربية وتسترد دورها التاريخي المشرف المعروف.
فماضينا عظيم، وكرامتنا عظيمة، وثقتنا بالمستقبل عظيمة.
الخلاصة أننا كأمة، نستطيع أن يكون لنا دور إذا عرفنا كيف نتصرف، ولربما هذا يتطلب وحدتنا واتحادنا، وحتى يتحقق اتحادنا، يجب أن نعيد النظر جذريا بأساليب التعامل فيما بيننا.
نبأ الأردن: كيف ترى الوضع المحلي في الأردن سياسيا واقتصاديا، فهناك إصلاح سياسي ونجم عنه مجلس نواب بمشاركة واسعة من الأحزاب؟
أبو غزالة: نحن بخير، وفي ظل التحديات الكبيرة التي نواجهها منذ عقود، والتي لا مجال لوصفها، فأداؤنا جيد بفضل حكمة قيادتنا الهاشمية ونضج شعبنا الأردني الأصيل وكفاءة أجهزتنا الأمنية المشهودة. التجربة جيدة، كل شيء يتحسن، وممكن أن يسير إلى الأحسن، وما نريده أن نبني الأردن الأفضل، نعم، نستطيع والحمد لله.
نبأ الأردن: وكيف ترى الوضع من الناحية الاقتصادية؟
أبو غزالة: قدراتنا محدودة، ولكن إذا كان هناك مشكلة، فهي فقط في عدم تركيزنا على الاكتفاء الذاتي، فكل دولة في الدنيا، مهما كان حجمها وأهميتها، تستطيع أن تحقق اكتفاءً ذاتياً، فتزرع ما يلزمها. وليس من الضروري أن نستورد منتجاتنا الغذائية من الخارج. علينا أن نصنع الأدوية اللازمة لنا، وهذا ينسحب على التكنولوجيا، فإذا حققنا كل هذا، نحقق استقلالاً حقيقياً. فإن وقعت الحرب، فنحن محميين. والأردن قادر على أن ينتج كل ما يلزمه، وأنا بحكم منصبي في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وكأكبر شركة ملكية فكرية في الدنيا، أعرف أن هنالك إمكانية لصنع كل الأدوية التي نحتاجها، بل ونصدرها لكل دول العالم.
نبأ الأردن: ما هو تفسيرك لهذا الارتفاع الغريب بأسعار الذهب؟
الذهب مثل النفط، تتقرر قيمته بقرار. ومن بفكر أن ارتفاع أسعار النفط وهبوطها هو بسبب نتائج السوق، فهو مخطئ. حدث أن تعرفت على رئيس البنك الفيدرالي الأسبق، يعني البنك المركزي الأمريكي. عندها قال لي: أنه في كل يوم وقبل أن ينام يستلم قوائم بأسعار العملات والمعادن النفيسة ذل ايوم ومقابلها عامود فارغ يضع فيه هو الأسعار لليوم التالي.
نعم، هو الذي يقرر ذلك، والذهب هو العملة التي تستعمل كاحتياط، وليس المشترون من السوق. لقد سبق وطلبت بأن تخضع المجوهرات للضريبة مثل كل شيء. فأكلنا خاضع للضريبة، وكتبنا الدراسية، وغيرها. إلا المجوهرات، لكن لماذا؟ لأن الذي يستورد مجوهرات يزيد ثروة البلد. ونحن لا نتحدث عن "أساور"، فالذهب الذي نتحدث عنه هو الموجود في البنوك المركزية. فعندما يقول ترامب أننا سنرجع إلى الذهب كاحتياط، يبدأ الناس بشراء الذهب!
ما أراه أن قوتك الاقتصادية تأتي من قوة وجودك، وعملك وكيانك الاقتصادي، وليس من الذهب الذي في حوزتك، فالذهب يصعد وينهار بقرار سياسي.
نبأ الأردن: شكراً سعادة الدكتور طلال أبو غزالة على هذا اللقاء.
طلال أبو غزالة: شكراً لكم.
وتالياً الحوار بالصوت :
">
























