تحديث الاقتصاد الأردني في ظل عدم الاستقرار الإقليمي: قراءة في مؤشر النمو الشامل
م. محمد خير ابو صعيليك
مقدمة: نحو رؤية أوسع للرفاه تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي
لطالما كان الناتج المحلي الإجمالي (GDP) هو المعيار الأكثر شيوعًا لقياس مستوى ازدهار الدول. إلا أن هذا المؤشر يقتصر غالبًا على الجانب المادي من المعيشة، ولا يعكس الجوانب الأعمق لرفاه الإنسان مثل الصحة، العدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية. ولذلك لا يزال قول روبرت كينيدي قبل أكثر من نصف قرن حاضرًا: "الناتج المحلي الإجمالي يقيس كل شيء إلا ما يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش.” هذه العبارة تلخص الحاجة لتبني أدوات تقييم أشمل وأكثر إنصافًا لواقع الشعوب واحتياجاتهم.
استجابةً لهذه التحديات، ظهر مؤشر النمو الشامل (IGI) عام 2022، مع آخر تحديث يضم بيانات 2023. يهدف هذا المؤشر إلى تقييم رفاهية الدول من خلال أربعة محاور رئيسية:
ويعتمد المؤشر على 27 معيارًا متنوعًا، تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs).
شرح الفئات الأربع:
تُجمع هذه المؤشرات وتُحسب باستخدام المتوسط الهندسي، لتُعطي نتيجة شاملة لكل دولة من أصل 134 دولة شملها المؤشر. ورغم أن هذا النموذج يوفر رؤية أوسع وأعمق من الناتج المحلي الإجمالي التقليدي، إلا أنه ليس مثاليًا؛ فمسألة تحديد أوزان المؤشرات تحتمل وجهات نظر مختلفة، كما أن بعض العناصر الهامة مثل متوسط العمر المتوقع أو جودة التعليم أو الأمان الشخصي قد لا تظهر بوضوح في المؤشر النهائي.
هذه المنهجية تثير أسئلة جوهرية أمام صناع القرار، من بينها:
هل ينبغي أن يتركز الاهتمام على تحقيق النمو الاقتصادي فقط، أم أن هناك حاجة متوازية لتعزيز العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة، وتحسين مستوى المعيشة؟
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المؤشر يُعد مكملًا لمؤشرات دولية أخرى متعددة الأبعاد، مثل مؤشر الحياة الأفضل (OECD)، ومؤشر التنمية البشرية (HDI)، ومؤشر التقدم الحقيقي (GPI)، ومؤشر الكوكب السعيد (HPI)، والتي تشترك جميعها في هدف تقديم صورة أعمق وأكثر إنسانية حول رفاهية المجتمعات وصحة التنمية الوطنية.
تشير البيانات إلى أن الأردن يحقق نتائج جيدة نسبيًا في مجالي المساواة وتحسين ظروف المعيشة، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات واضحة فيما يتعلق بالإنتاجية الاقتصادية والاستدامة البيئية. هذه التباينات تعكس وجود اختلالات هيكلية في بنية الاقتصاد الأردني.
⸻
السياق الاقتصادي والسياسي – 2025
شهد عام 2025 استمرار حالة عدم الاستقرار الإقليمي التي أثرت بشكل مباشر على الأردن، خاصة مع تداعيات الحرب الدائرة في غزة، والتي ألقت بظلالها السلبية على قطاع السياحة وزادت من حالة عدم اليقين في مناخ الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، أدت الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة إلى التأثير على اتفاقيات التجارة الحرة، وبالأخص الاتفاقية الأردنية-الأميركية، مما أسفر عن تراجع حجم الصادرات وتراجع ثقة المستثمرين.
في مواجهة هذه التحديات، كثفت الحكومة بقيادة الدكتور جعفر حسان جهودها لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام، بدعم من جلالة الملك عبدالله الثاني، بهدف توفير فرص عمل مستدامة في ظل ارتفاع معدلات البطالة، التي انخفضت بشكل طفيف من 21.4% نهاية 2024 إلى 21.3% في بداية 2025.
وقد بدأت الإجراءات الاقتصادية التي اتُخذت مطلع 2025 تؤتي ثمارها، حيث:
تعكس هذه المؤشرات قدرة الأردن على الصمود في وجه الضغوط الجيوسياسية والتحديات التجارية العالمية، في الوقت الذي يواصل فيه تنفيذ أجندته الإصلاحية.
⸻
الخاتمة
تجربة الأردن تؤكد أهمية الاعتماد على مؤشرات متعددة الأبعاد مثل مؤشر النمو الشامل في تقييم الرفاه الوطني بشكل واقعي ودقيق. فرغم استمرار التحديات المتعلقة بالإنتاجية الاقتصادية والاستدامة البيئية، إلا أن التقدّم في مجالات المساواة، تحسين ظروف المعيشة، والحفاظ على الاستقرار الكلي، يبرز إمكانات الإصلاحات بعيدة المدى.
ومع استمرار العمل على مواءمة الاستراتيجيات الاقتصادية مع متطلبات العدالة الاجتماعية وحماية البيئة، يمتلك الأردن فرصة حقيقية لتحقيق نمو شامل ومستدام، حتى في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة.
⸻
المراجع:
























