وائل منسي يكتب : عن مأزق السياسات الحكومية في التشغيل

{title}
نبأ الأردن -
تُظهر أزمة البطالة في الأردن مع بلوغ عدد طالبي الوظائف في ديوان الخدمة المدنية نحو نصف مليون شخص ينتظرون دورًا قد لا يأتي حتى بعد سبعين عامًا – عمق مأزق السياسات الحكومية في التشغيل وعجزها عن تجديد دور الدولة الاقتصادي.
فالتصريح بأن "لا وظائف في القطاع العام” ليس مجرد حقيقة إحصائية، بل إقرار بفشل رؤية الدولة لمستقبل العمل والإنتاج، واستمرار الارتهان لاقتصاد ريعيّ عاجز عن توليد فرص حقيقية.

لقد آن للحكومة أن تدرك أن الموظف ليس رجل الدولة، وأن الدولة ليست ربّ العمل الوحيد.
المشغّل الحقيقي هو القطاع الخاص، لكنه ما زال مكبّلاً بسياسات مالية وضريبية وإدارية طاردة، تُضعف الاستثمار وتخنق المبادرة.
لا نمو دون استثمار، ولا وظائف دون نمو، ولا استثمار دون بيئة محفزة وآمنة.

تُظهر تجارب الصين والبرازيل والإمارات أن التحول يبدأ من تحفيز الإنتاج وتحرير طاقات القطاع الخاص.
فالبرازيل مثلاً تجاوزت أزمتها حين تبنّت نموذجًا ديمقراطيًا اجتماعيًا يقوم على العدالة الضريبية، وحوافز الاستثمار، والإنفاق الاجتماعي المنتج، فتحوّل اقتصادها في عقد واحد إلى قصة نجاح عالمية.

الأردن بحاجة إلى تبنّي اقتصاد سوق اجتماعي حقيقي يجمع بين حرية السوق وعدالة الدولة، حيث تقوم الحكومة بدور المنظم الذكي الذي يضمن تكافؤ الفرص ويحمي الفئات الأضعف دون أن يخنق القطاع الخاص.
تقوم فلسفة هذا النهج على ضرائب تصاعدية عادلة، وإنفاق فعّال على التعليم والصحة والمشاريع الإنتاجية الكبرى، وحوافز حقيقية للاستثمار في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا الخضراء.

لكن السياسات الأردنية الراهنة تُدار بعقلية مصرفية لا إنتاجية، تركز على ضبط الإنفاق بدل تحفيز النمو، وتُخفّض الضرائب على أرباح البنوك رغم تضاعف أرباحها، بينما تتراجع الخدمات وتتعمّق الفجوة الاجتماعية. المطلوب ليس رقمنة الحكومة فقط، بل تحول "فوق ذكي” يعيد تعريف الدولة كمحفّز للإبداع ومنسق للتنمية وشريك للقطاع الخاص في خلق وظائف مستدامة.

إن التحول من عقل الريع إلى عقل الإنتاج هو شرط النهضة.
فالأردن يمتلك الطاقات البشرية والبنية الأساسية، وما ينقصه هو الإرادة والرؤية الاقتصادية العادلة. لا وظائف بلا نمو، ولا نمو بلا استثمار، ولا استثمار بلا ثقة، ولا ثقة بلا سياسات عادلة وبيئة إنتاجية محفزة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير