وائل منسي يكتب:"غزة بين الهدنة المعلّقة والعدوان المستمر: صلف نتنياهو ومأزق المجتمع الدولي"

{title}
نبأ الأردن -
في إحاطة سياسية  للأحداث التي سبقت تطبيق خطة ترامب لوقف الحرب في غزة ليلة أمس، بدا المشهد الإقليمي والدولي محكوماً بالتوتر والارتباك بين إعلان الهدنة نظرياً واستمرار القصف الميداني على نحو وحشي، كشف بوضوح صلف الاحتلال الإسرائيلي ومراوغته السياسية والعسكرية المتعمدة لتفخيخ الاتفاق قبل دخوله حيز التنفيذ.
رغم تأكيد الوسطاء على بدء وقف إطلاق النار، وورود أنباء عن إفراج وشيك عن أسرى فلسطينيين، بينهم 250 من أصحاب الأحكام المؤبدة، عادت الطائرات الإسرائيلية لتقصف غزة في ذات اللحظة التي كان يُفترض فيها أن يسود الهدوء. استُهدفت مناطق خان يونس ومدينة غزة وشرق القطاع، وسقط جرحى بينهم أطفال وعناصر من الدفاع المدني. هذه الهجمات جاءت بينما كانت حكومة نتنياهو تؤجل اجتماعها لإقرار الاتفاق، وسط خلافات داخلية حادة بين أقطاب اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش الذين قاطعوا الجلسة رفضاً لأي تبادل أو وقف لإطلاق النار، معتبرين الإفراج عن الأسرى "عاراً وطنياً".

في المقابل، أكدت حركة حماس على لسان المتحدث حازم قاسم أن الاحتلال "يحاول التلاعب بالمواعيد والقوائم والتفاهمات"، مشيراً إلى أن نتنياهو يسعى لتفجير الاتفاق قبل تطبيقه لاعتبارات سياسية داخلية، خصوصاً بعد فشله في تحقيق أي نصر ميداني أو إنجاز سياسي. وأكدت الحركة أن إنهاء الحرب كان الهدف المركزي للمفاوضات وأنها حصلت على ضمانات من الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر بعدم السماح لإسرائيل بالعودة للحرب، وأن أي خرق ميداني سيُعدّ خرقاً للاتفاق الدولي الموقع في شرم الشيخ.
بالتوازي، تسربت معلومات عن مفاوضات حول قوائم الأسرى تضم أسماء رموز وطنية كـ مروان البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد وحسن سلامة، قبل أن يعلن مكتب نتنياهو رسمياً رفضه إدراج البرغوثي في الصفقة، مكرساً نهجاً استعلائياً يهدف إلى إفراغ الاتفاق من رمزيته السياسية والوطنية. هذا الرفض ترافق مع إعلان أن الجيش سيبقى متمركزاً في 53% من مساحة غزة، ما يعني أن "وقف إطلاق النار" هو في الواقع إعادة انتشار عسكري لا إنهاء للاحتلال.

وفي الوقت الذي كانت فيه تل أبيب تمارس المراوغة والقتل المتواصل، تحركت العواصم الإقليمية والدولية في سباق دبلوماسي متوتر.
إردوغان أعلن مشاركة تركيا في بعثة مراقبة تطبيق الاتفاق، محذراً من خطورة استمرار العدوان وداعياً لإعادة إعمار غزة فوراً.
ماكرون وصف الساعات القادمة بأنها "حاسمة"، داعياً إلى حل الدولتين ونزع سلاح حماس، لكنه لم يوجّه أي إدانة صريحة للعدوان الإسرائيلي، مكتفياً بخطاب دبلوماسي بارد ومتوازن ظاهرياً.
في المقابل، كانت منظمة العفو الدولية أكثر وضوحاً، إذ اعتبرت أن فرض العقوبات على إسرائيل "هو السبيل الوحيد لوقف الجرائم"، متهمة المجتمع الدولي بالتقاعس الفاضح أمام "إبادة جماعية استمرت لعامين".
على الأرض، بقيت غزة تنزف: غارات على غرب المدينة، قصف قرب مقر اللجنة القطرية، شهداء ومفقودون تحت الأنقاض في مفترق الطيران. في حين أكد الدفاع المدني أن العودة إلى المدينة "محفوفة بالموت"، لأن الاحتلال لم ينسحب فعلياً. هذه الوقائع أكدت أن ما يسمى "وقف إطلاق النار" ليس سوى خدعة سياسية لإدارة الأزمة لا لإنهائها، وأن "خطة ترامب" ليست سوى مظلة لإعادة إنتاج السيطرة الإسرائيلية بغطاء دولي جديد.
في البعد الرمزي، شبّه د. مصطفى التل ما يجري في غزة بمعركة مؤتة التاريخية: قلة تواجه إمبراطورية وتحقق نصراً استراتيجياً رغم الفارق في القوة، مؤكداً أن ما تحقق في غزة هو انتصار للوعي والمقاومة رغم الجراح.
وهكذا، يمكن تلخيص مشهد ما قبل تطبيق الخطة الأميركية بما يلي:
1. إسرائيل تمارس سياسة التسويف والمماطلة لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية وتفادي أي مظهر للهزيمة.
2. اليمين الإسرائيلي المتطرف يضغط لمنع أي تسوية إنسانية حتى بثمن انفجار حكومي داخلي.
3. المجتمع الدولي منقسم بين صمت وتواطؤ ودعوات شكلية للسلام دون إجراءات رادعة.
4. المقاومة الفلسطينية صامدة ومتماسكة، تعتبر ما تحقق ثمرة الصمود لا منّة من أحد.
5. المشهد الميداني لا يزال دموياً، ما يجعل إعلان وقف إطلاق النار أقرب إلى وهم مؤقت منه إلى واقع سياسي مستقر.
إن ما جرى في الليلة الماضية يكشف أن نتنياهو وحكومته لم يتخلوا عن خيار الحرب بعد، وأن آلة الإبادة الإسرائيلية ما زالت تواصل بطشها بدم بارد، لتؤكد مجدداً أن المشكلة ليست في غياب الاتفاقات، بل في غياب الإرادة الإسرائيلية للسلام، وفي عجز المجتمع الدولي عن فرض وقف حقيقي لإطلاق النار يضع حداً للوحشية المستمرة في غزة.
#وائل #منسي

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير