د. وليد العريض يكتب: بين خطاب الهدنة وميدان الحقيقة، غزة في اختبار جديد

{title}
نبأ الأردن -
...

غزة بين هدنة الورق وبارود الحقيقة

(أسبوعٍ قادم… قد لا يأتي به السلام)

:

بدايتي....

في الشرق يعلنون الهدنة كأنهم اكتشفوا الإنسانية لتوّهم،
وفي الغرب يصفقون للسلام كأنهم لم يشاركوا في ذبحه.
أما في غزة فالكهرباء ما زالت غائبة، والسماء حاضرة بكل قسوتها.

العالم كله يترقب ما بعد الاتفاق، كأنّ المشكلة في الغد لا في من يذبح الحاضر كل ليلة.
فهل يصمد اتفاق ترامب المعدّل أكثر من أسبوع؟
وهل يرى مروان البرغوثي شمس الحرية قبل أن يملّ الليل من الانتظار؟
ما بين الأمل والخيبة، تتوزع التوقعات وتتكوّر الهدنة ككرةٍ من لهبٍ في يد اللاعبين الكبار.

الهدنة تتنفس بالأجهزة

ستبقى حيّة ولكن على أجهزة التنفس الأميركية.
ستُعلَن خروقات محدودة وستُقال جمل رقيقة من نوع نراقب الموقف عن كثب
بينما يراقب الفلسطيني الموقف من تحت الركام عن بُعد.

الوسطاء سيواصلون الكلام بوجوهٍ جادّة كأنهم لا يعرفون أن الاحتلال يكتب بياناته على دخان القنابل.
أما نتنياهو فسيظهر مبتسمًا كطبيبٍ يزور مريضًا في غيبوبة ويقول لأهله: حالته مستقرة نسبيًا.

وحماس رغم النزف ستحاول الحفاظ على ما تبقّى من الاتفاق
لا حبًّا في الهدنة بل كرهًا في الجنون المتجدد.
أما مروان البرغوثي ورفاقه فسيُتركون على الرفّ الدبلوماسي حتى إشعارٍ آخر
لأن الحرية في قاموس الاحتلال قضية مؤجلة لحين إشعارٍ غير مناسب.

الهدنة تمشي بعكازين

تبدأ إسرائيل بقصفٍ هنا وهناك ردًّا على تهديدات أمنية
وتردّ المقاومة بصاروخٍ يتيم ردًّا على الردّ.
ثم تدخل القاهرة لتُذكّرهم بأن العالم يشاهد
فيتفق الجميع على هدنةٍ جديدة لتصحيح الهدنة القديمة
ويُعاد المشهد كما لو أن غزة مسلسل تركي بعد الأذان.

نتنياهو سيحاول تسويق الكارثة كإنجاز سياسي
وسيُعلن أن إسرائيل لم تقدّم تنازلات،
بينما يقدم الفلسطينيون أرواحهم في طوابير التنازلات اليومية.

وفي تلك الأجواء يُعاد تدوير الكلام عن تبادل الأسرى
ويظهر اسم البرغوثي مجددًا كـ اللغز الوطني،
يُذكر في الاجتماعات ولا يُذكر في القوائم.

الهدنة في النزع الأخير

تنهار فجأة كأنها بيتٌ من ورقٍ في مهبّ صاروخ.
يتبادل الجميع الاتهامات:

إسرائيل تقول: المقاومة خرقت
والمقاومة تقول: إسرائيل لم تتوقف أصلًا
والأمم المتحدة تقول: نحن قلقون جدًا.
والناس في غزة يقولون:
كفى قلقًا أعطونا أمانًا.

حينها يعود نتنياهو إلى هوايته المفضلة:

الحديث عن الأمن القومي بينما يوزع الموت.
ويظهر وزير إسرائيلي ليتحدث عن حق الدفاع عن النفس
وكأن غزة هي التي تحتل تل أبيب!

البرغوثي؟ سيعود إلى الغياب القسري
ويُغلق الملف مجددًا
وتُعاد مفاتيح الحرية إلى أدراج المخابرات.

مسرح السياسة الرديء

أميركا ستقول إنها تُقيّم الموقف أي أنها لا تنوي فعل شيء.
أوروبا ستطالب بـحلّ الدولتين وهي لا تعرف أين الدولة الأولى.
تركيا سترسل وفدًا وتصريحًا، لا أكثر.
مصر وقطر ستعملان ساعات إضافية في وساطة بلا راتب سياسي.
إيران وحزب الله سيهتزان على الشاشات:

"نراقب التطورات.”
وكلهم سيشربون الشاي في مؤتمراتهم، بينما غزة تشرب الدخان.

وخاتمي...

الذين وقّعوا على الورق لم يوقّعوا على النية
والذين يملكون الطائرات لا يعرفون كيف يُحلّقون في سماء السلام.

بعد أسبوعٍ من الآن، سيكون في نشرات الأخبار عنوانٌ كبير:
استمرار الهدنة رغم بعض التوترات المحدودة.
لكن بين السطور، ستقرأ الحقيقة ذاتها:
استمرار الاحتلال رغم كل الأكاذيب اللامحدودة.
وللتاريخ...
سأظل أكتب حتى يتعب الصمت من الصمت.
.... 
د. وليد العريض، مؤرخ وأديب وشاعر وكاتب صحفي
في الفكر والتاريخ السياسي العربي.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير