نشأت الحلبي يكتب : 7 أكتوبر آخر !
نبأ الأردن -
نعم، هو 7 أكتوبر آخر، لكن الصورة تختلف تماماً ..
في السابع من أكتوبر قبل سنتين من الآن، كنا نشاهد "مشدوهين"، تلك الطائرات "الشراعية التي تنزل على تخوم غزة ..
وكنا نراقب بكثير من "الدهشة"، أولئك الشباب الذين يحملون خلفهم على دراجات نارية، رهائن، أو أسرى، أو أي كانت التسمية، ويقتادونهم الى داخل القطاع ..
وفي أحد المشاهد، راقبنا عن كثب، طائرة تقصف جموعاً من "الناس"، ولم نعلم من هؤلاء، وما الذي يجري، لأن "الصورة" كانت تُنقل لنا عبر تصوير "جوي" لا يُوضّح الملامح!َ
ومن الدوحة، لا أنسى ذلك المشهد للقيادي الحمساوي، الشهيد إسماعيل هنية، وهو يُؤشّر على شاشة "الجزيرة"، ويُحدث قادة آخرين التفوا حوله، ويقول : شوف شوف شوف!
كأنّ "أبو العبد" متفاجئ مثلنا بما يجري.
لاحقاً علمنا بأن السابع من أكتوبر كانت عملية نوعية سرية "للغاية" لدرجة أن القيادات الحمساوية في الدوحة لم تعلم بها، رغم ما قيل لاحقاً عن وثائق سرقتها قوات الاحتلال من غزة، تدعي، أن اسماعيل هنية من الدائرة الضيقة التي كانت تعلم بالعملية، لكن ما يأتي من الاحتلال، دائماً ما يكون موضع شك.
ذلك كان تاريخ لإعلان الحرب، بل إعلان الدمار الشامل الذي قررت حكومة "المتطرف"، نتنياهو أن تنتهجه غير آبهة بوجود رهائن أو غيره، فقد كان القرار أن لا تتكرر حكاية "جلعاد شاليط"!
ارتقى الشهيد تلو الشهيد، وجُرحَ الجريح تلو الجريح، وفي كل لحظة كان العدد يزداد بالمئات وليس بالعشرات فحسب، بعد أن فَعّلت حكومة الاحتلال كل قوة ممكنة لديها، وشاهدنا الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في تل أبيب التي حضر إليها على عجل، وعلمنا لاحقاً أن قادة عسكريبن أميركيين يقودون المعركة من غرفة الحرب بتل أبيب، وازدادت الحرب ضراوة إلى أن تمددت أكثر وأكثر حتى وصلت الى ضرب إيران، واشتعال السماء بالصواريخ، وقُتل حسن نصرالله، الذي قفز من مرحلة "المشاغلة" إلى الدخول، علناً، في الحرب، فيما البحر الأحمر كان يشهد حرباً من نوع آخر، ليرد "الحلف الدولي" بضرب أهداف كثيرة للحوثيين، المحسوبين على إيران، في اليمن، وبين هذا وذاك، استغلت إسرائيل اشتعال المنطقة بضرب عَصَب الجيش العربي السوري بعد انهيار نظام بشار الأسد وهروبه الى موسكو، ولاحقاً كانت قصة التغولات، وفي المشهد السوري حكاية أخرى.
بعد كل هذا، حدث التحول الكبير في الولايات المتحدة الأميركية، التي تتزعم "التفاصيل"، فعاد الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وكان واضح على الرجل بأنه قادم بكثير من "عوالق الماضي"، لكن الأهم، هو إصراره على خوض الملفات العالمية كلها، دفعة واحدة، في اندفاع غريب عجيب من نوعه، لكن الأهم بالنسبة لنا، إصراره على إنهاء حرب غزة، وعلى خلق شرق أوسط جديد، لربما هو ذاته الذي كانت تحدث عنه في يوم ما، وزير الخارجية الأميركية السابقة "كونداليزا رايس"، والمهم أنه -أي ترمب - يطرح برنامجه للمنطقة من "باب السلام" الذي لا يأتي إلا بالقوة، وهنا فقط تكمن المحطة الأولى في الوصول إلى أكتوبر جديد، وفي السابع منه، فاليوم، ومع كتابة هذه السطور، كانت دولة قطر، الوسيط الأهم الذي حافظ على "وساطته" رغم قصف الدوحة من قبل إسرائيل في محاولة وُصِفت بأنها "فاشلة"، لاغتيال قادة حماس، فرغم فشل تلك العملية، إلا أنها كانت نقطة تحول مهمة ورئيسية في مواقف الجميع، فالدوحة تعلن "اليوم" بأن جيمع الأطراف وافقوا على خطة ترمب، وأن البحث يجري الآن حول التنفيذ.
وبعيداً عن النقاط العشرين في خطة "الرئيس" الذي يترأس "مجلس السلام" لقطاع غزة مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، فإن ما يهم في المشهد هو النقاط ذات العلاقة بالمقاومة وأهمها تسليم الأسرى "الرهائن"، وتسليم السلاح، ولاحقاً الخروج من المشهد السياسي بشكل نهائي بعد أن تتولى السلطة الوطنية الفلسطينية الحكم في غزة حين ينتهي عمل اللجنة العربية الإسلامية "التنفيذية" للقطاع التي، وحسب خطة ترامب، ستتسلم زمام الأمور في عزة بعد الانسحاب الإسرائيلي.
دون العودة الى التفاصيل الكثيرة، ودون الخوض في النقاش حول المواقف من قصة تسليم السلاح، ومصير مقاتلي المقاومة، ودون الدخول في معترك "تفسير" مآلات ما بعد القبول بالخطة سواء أكان ذلك انتصاراً للمقاومة، أو هزيمة، ودون الإمعان في موقف المقاومة إن كان "نعم"، أو "لعم"، أو "نعم ولكن"، فإن واقع المشهد يقول إن القضية الفلسطينية برمتها باتت أمام مشهد تاريخي جديد، ولن أقول "نهائي" لأن التاريخ يقول إن الاستقلال والتحرر ضرورة لأي أرض محتلة، ولأي شعب محتل، وهذه قاعدة "كونية" لا اختلاف على تحقيقها ولو بعد مئات، أو آلاف السنين، وعليه، فإننا الآن أمام مرحلة تاريخية من "السلام" الذي فرضته الحرب، ولعل المؤشر الأهم هو الاعتراف الدولي الجارف بالدولة الفلسطينية، لكنها الدولة التي لن تكون، مرحلياً، بمقاييس المقاومة و"معها"، بل هي بمقاييس "السلام"، وهذه ستكون "قفلة" 7 أكتوبر، ومن الصدف أن يتم الإعلان رسمياً اليوم، في السابع من اكتوبر 2025، عن موافقة كل الأطراف على "خطة ترامب" التي ستكون توطئة، وركيزة، لهذا التحول "المرحلي" الكبير، وأعود لأؤكد بأنه "مرحلي"، وقد يكون هناك 7 أكتوبر آخر، كما الأول، في زمنٍ ما وعلى يد رجالٍ ما!

























