د. راكان أبو طرية يكتب: من النكسة إلى النصر: العرب يصنعون المجد في السادس من أكتوبر ....

{title}
نبأ الأردن -
في السادس من أكتوبر عام 1973، توحدت الإرادة العربية في مشهد تاريخي خالد، عندما قررت مصر وسوريا والأردن أن تكتب فصلاً جديدًا في سجل العزة العربية، فحولت الهزيمة إلى نصر، واليأس إلى أمل، والاحتلال إلى مقاومة. كانت تلك الحرب بمثابة إعلان عربي جماعي بأن زمن الانكسار قد انتهى، وأن الأمة قادرة على النهوض من تحت الركام.

مصر… عبور المستحيل وصنع الأسطورة

كانت مصر قلب المعركة وقائدة النصر. ففي تمام الثانية ظهرًا من يوم السادس من أكتوبر، عبرت قواتها المسلحة قناة السويس في عملية عسكرية هي الأروع في تاريخ الحروب الحديثة، فحطمت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر” وهدمت خط بارليف الذي كان يُعد أقوى تحصين دفاعي في العالم.

لقد أبهر الجنود المصريون العالم بشجاعتهم وانضباطهم وإيمانهم العميق بعدالة قضيتهم، فقاتلوا ببسالة لا توصف، ورفعوا علم مصر على الضفة الشرقية للقناة في أولى ساعات الحرب. كان ذلك العبور لحظة ميلاد جديدة للأمة العربية، وأثبت أن العقيدة القتالية المستندة إلى الكرامة الوطنية والإيمان بالحق قادرة على تحطيم المستحيل.

لقد خاض الجندي المصري المعركة بقلوب مؤمنة وعزيمة صلبة، يقاتل من أجل الأرض والعروبة، لا من أجل حدود ضيقة. ولذا، لم يكن غريبًا أن يصف أحد القادة الإسرائيليين الجنود المصريين بعد الحرب بقوله: "لم نواجه جنودًا، بل أسودًا لا تعرف الخوف.”

سوريا… جبهة العزة والتحدي

وفي الشمال، كانت سوريا تخوض معركتها البطولية على جبهة الجولان المحتلة، حيث واجه الجيش السوري القوات الإسرائيلية في معارك شرسة أظهرت شجاعة المقاتل العربي وإصراره على تحرير أرضه. كان التنسيق المصري السوري نموذجًا فريدًا في وحدة القرار والمصير، فأثبتت دمشق والقاهرة أن الأمة العربية عندما تتوحد، تُرعب أعداءها وتغير معادلات التاريخ.

الأردن… من الكرامة إلى الواجب القومي

أما الأردن، فقد كان حضوره في معركة أكتوبر امتدادًا طبيعيًا لتاريخه البطولي، خصوصًا بعد معركة الكرامة الخالدة عام 1968، التي شكّلت أول انتصار عربي حقيقي على الجيش الإسرائيلي بعد نكسة حزيران. ففي تلك المعركة، سطر الجيش العربي الأردني بقيادة المغفور له الملك الحسين بن طلال صفحة مشرقة من المجد، عندما تصدى ببسالة للقوات الإسرائيلية التي حاولت التوغل في الأراضي الأردنية، فألحق بها خسائر فادحة أجبرتها على الانسحاب الكامل.
لقد أعادت معركة الكرامة الثقة إلى الجندي العربي، وكانت تمهيدًا نفسيًا ومعنويًا لانتصار السادس من أكتوبر بعد خمس سنوات فقط.

وفي عام 1973، واصل الجيش العربي الأردني التزامه القومي، فأرسل وحدات مدرعة ومشاة إلى الجبهة السورية، منها اللواء الأربعون واللواء السادس مدرع، وتمركزت قواته في منطقة تل شمس وتل مرعي، حيث خاضت معارك شرسة ضد القوات الإسرائيلية، وأثبتت شجاعتها في الدفاع عن الجبهة السورية ومنع اختراقها.
لقد كان الدور الأردني أكثر من مجرد مشاركة عسكرية؛ كان تجسيدًا لواجب قومي نابع من الإيمان بوحدة المصير العربي، ورسالة بأن الأردن سيبقى دومًا في الصفوف الأولى دفاعًا عن قضايا الأمة.

كما لعبت القيادة الأردنية دورًا سياسيًا واستراتيجيًا مهمًا، إذ ساهمت في توحيد الموقف العربي والتنسيق بين الجبهات، وحافظت على أمن الجبهة الشرقية، ما حرم إسرائيل من توسيع نطاق الحرب وشتت جهودها العسكرية.

إسرائيل بين الهزيمة والدعم الغربي

ورغم الانتصار العربي الواضح على الأرض، فقد انقلبت الموازين بفعل التدخل الأمريكي والغربي السافر، الذي مدّ إسرائيل بجسر جوي ضخم من الأسلحة والمعدات في الأيام الأخيرة للحرب. وقد اعترفت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بقولها الشهير:

> "لولا الجسر الجوي الأمريكي، لما كان لإسرائيل وجود بعد حرب أكتوبر.”



ذلك الاعتراف وحده يكفي ليدرك العالم أن النصر الحقيقي كان للعرب، وأن إسرائيل لم تنجُ إلا بفضل دعم خارجي غير محدود.

الكرامة والعزة… عنوان النصر العربي

لقد كانت حرب أكتوبر امتدادًا لمعركة الكرامة، وتجسيدًا لوحدة الدم العربي. فيها قاتل المصريون والسوريون والأردنيون كتفًا إلى كتف، مؤمنين بأن الأرض لا تُستعاد إلا بالتضحيات، وأن الكرامة لا تُشترى إلا بالدم.

كانت تلك الحرب أكثر من انتصار عسكري؛ كانت ميلادًا جديدًا للأمة العربية، أكدت أن العرب قادرون على صنع المجد متى ما اتحدوا، وأن النكسة مهما كانت قاسية، لا بد أن يعقبها نهوض يعيد للأمة مكانتها وعزتها.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير