د. وليد العريض يكتب: الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء(29)

{title}
نبأ الأردن -
مسيلمة الغابة… وثعالب الصحراء

في الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء، خرج مسيلمة العصر، يحمل لسانًا لا يعرف إلا الكذب. قيل: يكذب في اليوم مرّة، وقيل: ست عشرة مرّة، حتى صار الكذب عنده صلاةً، يفتتح بها صباحه ويختم بها ليله، كأنها فرائض مفروضة لا يسعه تركها.

ضحكت منه الأسود، وسخرت منه الطيور، حتى البوم العجوز قالت: "هذا مهرّج غبيّ لا يعيش طويلًا". لكن في صحراء قريبة، ثعالب ماكرة وجبانة، اتخذت من كذبه دينًا، ومن قدميه محرابًا. كانت تسجد عنده ست عشرة سجدة، تلعق حذاءه بلهفة، وتتنافس على حمل صحن الذهب إلى مائدته. كل ثعلب يتمنّى أن يسبق رفيقه ليقول: "انظروا! لقد نلتُ رضاه!"، حتى لو باع في المقابل دماء الغابة وأسرارها.

وقدّمت تلك الثعالب لسيّد الكذب هديّةً عجيبة: غابة صغيرة اسمها غزّة. قدّموها كما تُقدّم البكر عُريها لأول غريب. لكنهم لم يعرفوا أن غزّة ليست بكرًا ضعيفة، ولا شجرةً ذابلة، بل هي جذرٌ عتيق لا يُقتلع، وشجرة باسقة تنبت كلما قطعوا أغصانها، وعصافير صغيرة تفضحهم فوق كل الأشجار.

وبينما ظلّ مسيلمة العصر يروي أكاذيبه، ويتبجّح بثعالب الصحراء الراكعة، بقيت غزّة عصيّة على البيع. ففي كل حجر طفلٍ يقذفه، وفي كل دمعة أمٍّ تذرفها، وفي كل شهيد يبتسم لحظة رحيله، يولد وعدٌ جديد: أن الكذب يزول، والخيانة تُفضَح، لكن الحق لا يموت.

غزّة… قصيدةُ صدقٍ في زمنٍ غابه الكذّابون والثعالب.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير