وائل منسي يكتب: ترامب بين نتنياهو والأردن: ملامح صفقة إقليمية تعيد خلط الأوراق
نبأ الأردن -
تعيش غزة اليوم على وقع سيناريوهات متشابكة تتداخل فيها الحسابات الإقليمية والدولية، ويبدو أن الولايات المتحدة، بعقلية الرئيس ترامب القائمة على الصفقات والهيمنة، تسعى إلى فرض ترتيبات انتقالية تتجاوز الإرادة الفلسطينية. من أبرز هذه الطروحات إعادة تعويم توني بلير على رأس إدارة انتقالية دولية تتولى إعادة إعمار القطاع وإدارة حدوده بقوات دولية، قبل أن تسلم لاحقًا، من دون جدول زمني ملزم؛ للسلطة الفلسطينية.
لكن هذا السيناريو، الذي يجد ترحيبًا في أوساط إسرائيلية وأمريكية، يصطدم برفض فلسطيني حاد، خصوصًا من حماس التي ترى في بلير رمزًا للوصاية الغربية وشريكًا في كوارث العراق.
الخطر هنا أن يُعاد إنتاج تجربة الاحتلال والوصاية بوجه جديد يفتح الباب لفوضى جديدة بدلًا من الاستقرار.
البديل الذي يفرض نفسه واقعيًا على المدى القريب هو استمرار الحصار الإسرائيلي مع تهدئة مؤقتة، وهو مسار لا يقدم حلولًا سياسية بقدر ما يرسخ مأساة إنسانية عميقة ويترك غزة في حالة صراع مزمن بلا أفق.
وفي موازاة ذلك، يجري تداول سيناريو ثالث يمنح دورًا تركيًا أو عربيًا دوليًا في إدارة المرحلة المقبلة، بما يشبه نماذج "الهندسة” التي جُرّبت في سوريا، لكنه يظل مرهونًا بتوافقات معقدة قد تنقلب إلى تبعية مقنّعة. وحده السيناريو الذي يعكس طموحات الفلسطينيين يتمثل في تعزيز السلطة الفلسطينية وتوحيد الفصائل لإدارة غزة بقرار داخلي مستقل، باعتباره الطريق الأكثر واقعية نحو استعادة السيادة وتأسيس الدولة، رغم ما يحف به من صعوبات داخلية وخارجية.
في هذا السياق يكتسب اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو أهمية حاسمة، إذ من المرجح أن يُستخدم ملف غزة كورقة مساومة ضمن تفاهمات أوسع لترتيب المصالح الإسرائيلية – الأمريكية.
ترامب، بعنجهيته وفوقيته السياسية، ينظر إلى المنطقة بمنطق السوق: كل قضية هي ورقة تفاوضية، وكل ملف قابل للمقايضة. وهذا يثير مخاوف جدية من أن تتحول غزة إلى بند ثانوي في "صفقة كبرى” تكرّس الهيمنة الإسرائيلية وتُقصي الفلسطينيين عن تقرير مصيرهم.
أما الأردن، فدوره يبقى في حدود التحرك الدبلوماسي والدفاع عن ثوابت القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، خصوصًا في ما يتعلق بالقدس والمقدسات ودعم القيادة الفلسطينية. غير أن وزنه الحقيقي يظل محدودًا أمام ثقل واشنطن وتل أبيب، ما يجعل تأثيره أقرب إلى ضبط الإيقاع ومحاولة منع الانزلاق إلى ترتيبات خارجية تضعف القرار الفلسطيني، أكثر من كونه قادرًا على فرض مسارات بديلة.
خلاصة المشهد أن غزة اليوم أمام مفترق طرق: إما وصاية خارجية تُفرض بعقلية فوقية أمريكية – إسرائيلية، أو حصار مزمن، أو إعادة تدوير لأدوار إقليمية، أو خيار فلسطيني داخلي صعب لكنه الوحيد الكفيل بتثبيت السيادة. المنطقة تدخل مرحلة حساسة، واللقاءات المقبلة بين ترامب ونتنياهو قد ترسم ملامحها النهائية، ما يجعل الساحة الفلسطينية مطالَبة أكثر من أي وقت مضى بتوحيد صفوفها وانتزاع قرارها من قبضة الصفقات الدولية.

























