عبدالهادي راجي المجالي يكتب : كزبرة وثوم
نبأ الأردن -
قبل فترة ذهبت لشركة (زين) ، دخلت وسجلت رقم هاتفي على الشاشة ..وانتظرت دوري ، حين وصلت قالت لي الصبية الموجودة على الكاونتر : ( صباحك سعيد أستاز كيف بئدر اساعدك) ...أخبرتها بأني أريد تغيير اشتراكي ، لأنه صار مكلفا ...وقد لفت انتباهي أنها تضع في عنقها خارطة الأردن ، يا الله كم أحببت مشهد الأردن وقتها ، حين رأيته معلقا على قلوب بناتنا ...
أحضرت لي موظفا اخر كي يشرح عن مزايا الإشتراك الجديد ، وأجلسوني على (كنباية ) فاخرة ، لكثرة ودهم واحترامهم ، كدت أن أطلب منهم صحن (فول) كوني لم أتناول الإفطار يومها وخرجت جائعا ، لو فعلتها كانوا سيستجيبون للطلب ..لكنهم أحضروا لي الماء دون أن أطلب ، وسألني الموظف الدمث : (شو بتحب انشربك أستاز ) ...فطلبتهم قهوة سادة ، وأحضروها ...
في شركة (زين) ربطات العنق ، معقودة بشكل جيد ، والبنات تفوج منهن رائحة العطر ، والأهم أنهم جميعا يقابلونك بابتسامة رائعة ، وقتها لم أحب مغادرة المكان ...لنظافته وجماله ، ورقي الناس التي تعمل هناك .
لكني في النهاية غادرت ، واتجهت صوب دائرة حكومية في جبل عمان
...على الباب وحين دخلت شممت رائحة (باميا) ..من أين جاءت الرائحة لا أعرف ، لكني دققت فيها ..هي بالفعل رائحة باميا مع كزبرة وثوم ، ولفت انتباهي مرور قطة ، من جانب الباب ..جاءت تمشي بتثاقل ويبدو أنها خرجت من شجار عنيف مع قط اخر لأن التعب بدا واضحا عليها ، ودخلت من الاتجاه الأيمن ...لكن الغريب أنها لم تعر أحدا انتباها ، كأن كل كبرياء الدنيا سكن فيها .
طلبت الصعود للمبنى ، ولكنهم أخذوا الاسم ودققوا فيه ودونوا رقم الهوية ، وانتظرت قليلا ...ثم صعدت ، كنت أحمل في يدي ملفا وبعض الأوراق وحقيبة صغيرة أضع فيها سجائري والهاتف ، وعلبة دواء اسمه ( باسكوبان) لا أعرف لماذا يستعمل لكنه موجود في الحقيبة منذ عام ، وفوجئت بشاب يقول لي : (ع اليمين أول مكتب ع اليمين ... أم شفيق بتستناك) قبل أن أسأله عن حاجتي هو نفسه بادر بالحديث ، لكني استدركت وقلت له : ( شو اللي ع اليمين أنت عارف ليش انا جاي هون ؟) ...لكنه اعتذر ، كان يعتقد بأني رجل (الديلفري) ...
المهم دخلت مكتبا ، فأرسلوني لاخر ، دخلت الاخر ولم أجد أحدا ..لكن صوت رجل كان يتحدث على الهاتف ، لا أعرف من أين جاء ، ولا أعرف هل هو موظف أم مراجع ...يردد جملة : ( ما عليك أنا بدبروا ...اتركوا علي أنا بدبروا ) ...يبدو أن القصة فيها (هوشة ) .
لم أفهم في النهاية لماذا جئت ، ولم أحصل على مرادي ..فقررت المغادرة.
لو أن الذين يعملون في تلك الدائرة الحكومية ، حصلوا على ذات الإمتيازات وذات الهدوء وذات التأهيل الذي تمنحه شركة زين للموظفين ، لأبدعوا ولقدموا صورة مشرقة عن بيروقراط الدولة .
لكن المشكلة ، أن مؤسسات الدولة مازالت تفتقر إلى الإكسسوار ، إلى الابتسامة ..هل سينقص من عمر الموظف العام شيئا إن أعطاك ابتسامة ؟ هل ستخسر الدولة كثيرا إن قامت بتحسين المدخل ، ووضع مقاعد في الممرات وتعليق صور للبتراء وجرش واثار الأردن؟ ...هل ستخسر الدولة كثيرا إن قامت بتغيير لون الطلاء في في تلك الدائرة ،الذي يذكرني بلون طلاء مهاجع المساجين في سجن ماركا ؟..
لا أريد انتقاد العاملين في المؤسسات الحكومية، هم من أفضل الناس وأكثرهم كفاءة ..ولكنهم وضعوا في مكان فرض عليهم ايقاعه ...وبالتالي يعيش الموظف هناك رهينا للتعليمات والقوانين والأنظمة ، بالمقابل شركة زين أعطت الحرية للموظف بأن يفرض أخلاقه وابتسامته ودماثته عليك ..لأنه إن لم يفعل ذلك فهناك محاسبة على التقصير .
تجربة شركة زين في تعاملها مع زبائنها ، فلتعمم على الدولة ...نحتاج أن نخرج من منطق (الكشرة) ، وصور البؤس في مؤسساتنا ...
للعلم عدت بعد أيام لذات المؤسسة ، ليس من أجل اتمام المعاملة ولكن لكي أعرف من أين جاءت رائحة الباميا ، ما زال أنفي يشمها ..يبدو أن من طبخها كان مسرفا في الكزبرة والثوم .

























