نضال العمرو يكتب: الإنسان أغلى ما نملك.. ضعوها في صندوق رضا المريض
نبأ الأردن -
بين أروقة مستشفياتنا ومراكزنا الطبية الخاصة، يتردد صدى أمل جديد، تقنية طبية واعدة تُعرف باسم "البلازما الغنية بالصفائح الدموية" (PRP)؛ هذا الأمل، الذي يمثل ثورة هادئة في عالم الطب التجديدي، ينمو ويزدهر خلف أبواب مغلقة، متاحاً لمن استطاع إليه سبيلاً، بينما يبقى حلماً بعيد المنال لغالبية أبناء هذا الوطن الطيب؛ فالقصة ليست قصة تقنية معقدة، بل هي قصة مفارقة مؤلمة بين ما هو ممكن وما هو متاح، قصة ألم يمكن تخفيفه وأمل يمكن تحقيقه.
الفكرة في جوهرها تنبع من حكمة الخالق في أجسادنا؛ فهي تسخير لقدرة دمنا على شفاء نفسه؛ بقطرات من دم المريض، يتم عزل وتركيز جيش من الخلايا الشافية، ثم يُعاد حقنها بدقة في مفصل متعب أنهكه الاحتكاك، أو وتر ملتهب أضناه الجهد؛ إنها ليست دواء كيميائي أو سحر مُغربي، بل هي مساعدة مُركّزة يقدمها الجسم لنفسه، ليعيد ترميم ما أفسده الزمن أو الإصابة؛ وبهذا الإجراء البسيط والآمن يقدم اليوم بصيص ضوء لمرضى الخشونة من كافة الاعمار، وللرياضيين المصابين، ولكل من يبحث عن حل يخفف معاناته بعيداً عن مشرط الجرّاح أو الآثار الجانبية للأدوية طويلة الأمد.
لكن هذا الضوء، للأسف، يأتي بثمن باهظ في بلادنا؛ لدى امبراطوريات القطاع الخاص، حيث تتوفر هذه التقنية، تحولت بارقة الأمل هذه إلى سلعة فاخرة؛ تخيلوا .. تتراوح تكلفة الحقنة الواحدة بين ثلاثمائة وخمسين إلى خمسمائة دينار (وقد يحتاج المريض إلى 3 حقن في المفصل الواحد)، وهو مبلغ يفوق القدرة الشرائية لقطاع واسع من مواطنينا دافعي الضرائب؛ والمفارقة الصارخة تكمن في أن التكلفة الحقيقية للمواد الأساسية المستخدمة، وهي العدة الطبية (Kit) اللازمة لفصل الدم، لا تتجاوز في سوق الجملة المنتجة والمُصدّرة له سوى خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين ديناراً؛ هذا الفارق الهائل بين التكلفة الفعلية وسعر الخدمة النهائي يحول العلاج من حق إنساني إلى رفاهية تجارية، ويضع جدار مالي عالي بين المريض وأمله في الشفاء.
وهنا، يتجه نظرنا وقلبنا إلى وزارة الصحة، الحارس الأمين على صحة الأردنيين؛ فأنا لا أتحدث عن استيراد أجهزة معقدة تُكلف الملايين، أو عن ابتعاث الكوادر لسنوات طويلة؛ أتحدث عن تقنية بسيطة نسبياً، يمكن لكوادرنا الطبية الماهرة والمشهود لها بالكفاءة إتقانها بسرعة؛ إن توفير هذه التقنية في مستشفياتنا الحكومية، من عجلون و اربد شمالاً إلى مستشفيات العاصمة الى الجنوب المنسي، ليس مجرد تحديث للخدمات، بل هو تجسيد حي وعملي للتوجيهات الملكية السامية التي طالما أكدت، وتؤكد في كل مناسبة، على ضرورة تقديم أفضل رعاية صحية ممكنة لكل مواطن على أرض هذا الحمى.
إن صحة الأردني هي خط الدفاع الأول عن قوة ومنعة هذا الوطن؛ وعندما نوفر لمواطنين يعانون من ألم مزمن في رُكبهم فرصة للعودة إلى اعمالهم وآخرين للمشي في حقولهم دون ألم، وإلى أولئك المتقاعدين الذين افنوا حياتهم في خدمة الوطن، وعندما نعيد رب أسرة إلى كسب رزقه بعد إصابة أبعدته، فإننا لا نعالج فرد فحسب، بل نعزز نسيج المجتمع بأكمله؛ إن توفير هذا العلاج ضمن مظلة التأمين الصحي، هو استثمار مباشر في الإنسان الأردني، وهو أسمى أشكال الولاء والانتماء.
ندائي اليوم هو نداء محبة وواجب، نداء من القلب إلى من نأتمنهم على صحتنا؛ دعونا لا نترك الأمل حكراً على القادرين؛ دعونا نفتح أبواب مستشفياتنا الحكومية لهذا العلم النافع وغيره من الخدمات، ونجعل من الأردن، كما كان دوماً، منارة للطب والإنسانية في المنطقة؛ إنها خطوة ممكنة، وضرورية، وواجب وطني بامتياز، لنؤكد أن صحة المواطن الأردني ستبقى على الدوام أغلى ما نملك.

























