ميسر السردية تكتب: المطرقة
نبأ الأردن -
لم تعد هناك حقيقةٌ مجردة واضحة نلمسها حول حدثٍ ما. بعد أن صار التضارب والتشويش في سوق السيناريوهات المختلفة والترجيحات معركةً بحد ذاتها، صار ميدانها عقل "الناطر" لما تجود به التسريبات والتفسيرات والتوقعات.
هذه الفوضى "اللَّاعبثية" تُشعر المرء وكأنه يتخبط في حكاية "راشمون" اليابانية، التي أصبحت رمزًا من رموز نسبية الحقيقة ذاتية الإدراك.
تدور أحداث الحكاية حول جريمة ومحاولة اغتصاب في غابة، قام بها قاطع طريق ضد رجل وزوجته. كان هناك حطابان شاهدا الحادث وتدخلا في إنقاذ الزوجين.
في التحقيق، روى كل طرف تفاصيل الواقعة من وجهة نظره؛ فخرجت خمس روايات مختلفة كل الاختلاف، إلى حد يستحيل معه معرفة حقيقة ما جرى.
حتى اللص صور نفسه بطلاً. أراد إنقاذ المرأة المتيمة بحبه من زوجها الكريه الذي تبغضه.
تناقض روايات شخصيات "راشمون" حول حقيقة ما جرى في الغابة وضياع الحقيقة بين مختلف الأطراف، يتطابق مع الروايات التي تخرج بعد كل فعل تشهده غابة العالم.
ففي قاعة كل محكمة، تظهر منصة وميكروفون ومتحدث رسمي، وتتوالى اتهامات وتفنيدات وتصريحات ومقالات تشرح أصناف الأعشاب الضارة وغواية رجع الصدى.
فيما يتقلب بصر الحضور الضامئ، متسلِّيًا بزركشة السقف وتفلعات الجدران، بعد أن طال غياب القاضي واختفت مطرقة العدالة، على أمل أن ينطق الشجر لتنجلي لهم حقيقة ما جرى.
ولأن الشجر لا ينطق، تنصرف المجاميع المضطربة، كل يحمل "مصباحه" في عز الظهيرة.
ينقبون في مزابل التاريخ عن الحقيقة أو عن أنسب السيناريوهات لهوى النفس وقربًا لمرامها...
ودفعًا عن تكذيب "اغتصاب" واقع لا محالة، بعد أن تفتت حزام العفة العربي والإسلامي.

























