زهدي جانبيك يكتب : الملك والملكة .. رؤى ملكية في زمن الاضطراب والفتن

{title}
نبأ الأردن -
وصلني قبل يومين تنبيه ادرجته الملكة رانيا عبر حسابها على الانستجرام حول مشاركتها في مؤتمر بالمكسيك، وبكل صراحة اعجبني تصميم المسرح ومنصة الخطابة الفريد من نوعه ودفعني ذلك الى متابعة الخطاب... فاعجبني المنطق وطريقة العرض وشجاعة الطرح، خاصة عندما أشارت الى عقيدتها الاسلامية والمباديء السامية المنبثقة عنها واعجبتني جدا لفتتها في الاشارة الى اثر السجود في الصلاة على الانسان... 
وشدني الى متابعة الخطاب هذا التركيز على منظومة القيم الانسانية المشتركة... ولا اتحدث هنا عن المعتقدات الدينية وانما منظومة القيم الانسانية السامية التي تؤسس للسلم المجتمعي المرتكز على حب الله وحب الخير وحب الجار.   
 
استمعت الى خطاب الملكة كاملا وما تبعه من مفابلة صحافية امام الجمهور، وقد اعجبني اداء الملكة في كليهما حتى شككت بان المصدر واحد. فرجعت الى صفحة الملكة على الانترنت وراجعت الخطابين والمقابلتين السابقتين للملكة، ثم رجعت الى صفحت الملك على الانترنت وراجعت آخر خطابين ومقابلتين للملك ووجدت تشابها كبيرا في المحتوى مع تباين محبوب بالاسلوب وهذا ما دفعني الى كتابة هذا البوست.  

وقد اتضح لي بعد مراجعتي السريعة لخطابات وتصريحات كل من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وجلالة الملكة رانيا العبدالله، أن هناك رؤية مشتركة تستند إلى قيم ومبادئ راسخة، على الرغم من تباين الأساليب الخطابية التي يتبناها كل منهما. وإن رسائلهما، وإن كانت موجهة إلى شرائح مختلفة من الجمهور، تتلاقى بشكل منهجي حول محاور جوهرية تتعلق بالسلام، والإنسانية، والعدالة، مما يعكس وحدة الموقف الملكي إزاء التحديات الراهنة.

ووجدت في الخطاب الملكي  أبعادا استراتيجية ورؤية سياسية
ولانني في خضم دراستي للادارة الاستراتيجية ركزت على الطابع الاستراتيجي فلاحظت بان خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يتميز  بأسلوبه الدبلوماسي الحكيم والطابع الاستراتيجي الذي يهدف إلى إقناع المجتمع الدولي بضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن تفصيل محاور خطابه الأساسية على النحو التالي:

أولاً: التركيز الدائم على حل الدولتين كمرتكز للسلام العادل:
فحل الدولتين حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأردنية، وهو ما يؤكد عليه جلالة الملك باستمرار في خطاباته. يؤكد جلالته على أن هذا الحل هو السبيل الوحيد "لتحقيق سلام عادل وشامل يضمن الأمن والاستقرار لمنطقتنا". ويعلن رفضه التام لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية، معتبراً أن هذه الإجراءات "تتحدى القانون الدولي والمعايير الأخلاقية وقيمنا المشتركة". 
ويوضح  أن السلام الدائم يتطلب "إقامة دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشرقية"، وينبه بإصرار إلى أن القضية الفلسطينية هي "جوهر الصراع في المنطقة". ويحذر جلالته من خطورة عدم اتخاذ المجتمع الدولي موقفاً حاسماً، حتى اصبح المجتمع الدولي "متواطئاً في إعادة تعريف ما يعنيه أن تكون إنساناً". وهذا التعبير الاتجاه الناقد دخل الى الخطاب السياسي الاردني بهد بدء حرب الابادة الاسرائيلية على غزة.

ثانياً: القيم الإنسانية المشتركة كمبدأ عالمي، 
إذ يولي جلالة الملك أهمية قصوى لتعزيز الحوار بين الحضارات والأديان، ويشير دائما الى انه قد سبق وان أطلق في سبيل ذلك مبادرات عالمية مثل "رسالة عمان". 
ويؤكد جلالته أن "قدسية الحياة الإنسانية، وبراءة الأطفال، وألم الأمهات" هي قيم جامعة تتجاوز الاختلافات الدينية. 
ويشير إلى أن العالم قد "فقد بوصلته الأخلاقية"، وأن "الحرية الحقيقية ليست غياب القمع، بل هي غياب الخوف". ويرى جلالته أن الطريق إلى مستقبل أفضل "يتم تشكيله بالخيارات التي نتخذها، كل يوم، كأفراد وكقادة".

ثالثاً: الموقف الأردني من العدوان على غزة: 
ييعكس موقف جلالة الملك عبدالله الثاني من الحرب على قطاع غزة إدانة قوية للأزمة الإنسانية المتفاقمة ودعوة ملحة وفورية للتحرك والعمل الفوري. يصف جلالته الوضع في غزة بأنه "نسخة مخزية من إنسانيتنا" ويتساءل كيف أن "ما كان يعتبر فظاعة قبل 20 شهراً، أصبح الآن شائعاً لدرجة أنه بالكاد يثير الاهتمام". ويسلط جلالته الضوء على خطورة "استخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال"، ويؤكد على أن "الأردن سيواصل تقديم المساعدات لغزة براً وجواً". ويرى جلالته ويؤمن إيماناً راسخاً بأن الأزمة "ليست مجرد لحظة سياسية أخرى. إنها صراع على هويتنا كمجتمع عالمي".
ويرى جلالته أن هذه الأزمة "ليست مجرد لحظة سياسية أخرى. إنها صراع على هويتنا كمجتمع عالمي".

اما رؤية الملكة رانيا العبدالله فقد شملت أبعاد إنسانية وتركيز أخلاقي:
إذ تميز خطاب جلالة الملكة رانيا العبدالله بأسلوبه الإنساني العميق والمباشر، حيث تستخدم الاستعارات القوية واللغة الواضحة للتواصل مع جمهورها وتحدي مفاهيمهم، مثل استخدامها لمثال عكس العدسات لأكبر تلسكوب على الارض لنرى ما في داخلنا بواسطته ونطلع على سرائر انفسنا على حقيقتها.

أولاً: دور التكنولوجيا والقيم الإنسانية: 

وعند الحديث عن دور التكنولوجيا والقيم الإنسانية تستخدم الملكة استعارة مرصد "فيرا سي روبين" للتأكيد على الحاجة إلى تغيير في المنظور. التكنولوجيا توفر "إمكانيات استثنائية"، فإنها تشكل أيضاً "خطراً غير مسبوق". وتتساءل عما إذا كانت التكنولوجيا "تخدم إنسانيتنا" وتدعو إلى إعادة توجيه التقدم "نحو ما هو صواب". وتنتقد العالم الذي "يسير إلى الأمام بسرعة أكبر من طرحنا لهذه الأسئلة" وحيث "نعمل على تحسين الأنظمة، ونحول الناس إلى مجرد أضرار جانبية". وفي إحدى المقابلات، أشارت إلى أن التكنولوجيا غالباً ما "وسعت الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة" وأنه في حين أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أن يكون "أداة ديمقراطية"، فإنه يمكن أيضاً أن "يضخم عدم المساواة القائمة" إذا لم يتم تصميمه مع أخذ العدالة في الاعتبار. وأشارت الى ان انسانيتنا قد تكون هي الثمن الذي ندفعه مقابل تقدمنا.

ثانياً: غزة كبوصلة أخلاقية: 
تستخدم جلالة الملكة الأزمة في غزة كأداة قوية لكشف التناقضات الأخلاقية على الساحة العالمية. بالنسبة لها، غزة هي "التي تجبرنا على الرؤية بوضوح أخلاقي". 
وتصف الدمار بأنه "مروع" والقسوة بأنها "لا لبس فيها". وتشير إلى "المعايير المزدوجة الفاضحة" للمجتمع الدولي في التعامل مع/ والتحيز في طريقة تأطير الصراع ، حيث يسود الاعتقاد بانه "لا يمكن لإسرائيل أن تخطئ". 
وتؤكد أن الأزمة "بأكملها من صنع الإنسان" وجزء من "مخطط" لجعل غزة "غير صالحة للسكن". وتقول إن "المجاعة من صنع الإنسان" وأن الحل الوحيد و "الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينهيها هو وقف دائم لإطلاق النار وتدفق آمن وحر وغير منقطع للمساعدات لأولئك الذين يحتاجونها".

ثالثاً: أهمية الإنسانية المشتركة تدعو جلالة الملكة باستمرار إلى قوة التعاطف والرحمة والتواصل الإنساني للتغلب على الانقسام. وتدافع عن إيمانها وتؤكد أن "الإسلام يعلمنا الرحمة، والإحسان، والعدالة، وكرامة جميع الناس". وتؤمن بأن "الاحترام – الحضارة – يقاس بالخيارات التي نتخذها. وكيف نعامل الآخرين". كما تسلط الضوء على شجاعة الشباب الذين ناصروا غزة وتحدثوا من أجل غزة ، معتبرة أن "اختيار رؤية إنسانية الغرباء في نصف الكرة الآخر" و"قول ما يجب أن يقال بصوت عالٍ" هو عمل من أعمال الوضوح الأخلاقي.

نقاط التلاقي ورؤية متكاملة للمستقبل:
على الرغم من اختلاف الأساليب الخطابية، فإن رسائل جلالة الملك وجلالة الملكة متكاملة و مترابطة بعمق وتعزز بعضها البعض، مما يعكس وحدة الموقف الملكي الأردني. 

دعم ثابت لسلام عادل: 
يتحد الزوجين (ةقد اخترت كلمة الزوجين هنا للاشارة الى التناغم الانساني وليس التنسيق الوظيفي) في التزامهما بحل الدولتين كمسار وحيد لتحقيق السلام والاستقرار. 
ويرفضان تهجير الفلسطينيين، ويطالبان باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. 

إن دعوات جلالة الملك الدبلوماسية "للعمل القوي والمنسق" وانتقادات جلالة الملكة الأخلاقية الحادة "للمعايير المزدوجة الفاضحة" تعملان معاً لتشكيل موقف أردني شامل يجمع بين الاستراتيجية والأخلاق في آن واحد.
إدانة الأزمة في غزة: 
ويتشاركان ايضا في القلق العميق إزاء الأزمة الإنسانية في غزة. يصف جلالة الملك الوضع بأنه "مأساة" تستدعي "جهداً إقليمياً ودولياً فورياً وفعالاً"، بينما تصفه جلالة الملكة بأنه "مروع" و"معايير مزدوجة فاضحة". ويؤكدان كلاهما أن الأزمة ليست كارثة طبيعية، بل هي كارثة من صنع الإنسان تتحملها اسرائيل.

أولوية القيم الإنسانية المشتركة: 
يؤكد كل من جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا أن الأمن الحقيقي والتقدم لا يُبنيان فقط على القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل على القيم المشتركة. ويشير الملك إلى أن "الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة"، وتؤمن الملكة بأن "التنمية لا يجب أن تُخلط مع اللياقة". 

ويؤمنان بأهمية الحوار بين الأديان والثقافات للتغلب على الخوف والانقسام، وهو ما يتجلى في مبادراتهما المختلفة، كرسالة عمان وجهود جلالة الملكة لمكافحة الصور النمطية والاحكام المسبقة.

معاً، يقدم صوتيهما رؤية موحدة لعالم أكثر عدلاً وسلاماً وإنسانية، ترتكز على الدبلوماسية والتعاطف والتزام ثابت بالمبادئ الأخلاقية.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير