د. وليد العريض يكتب:الأردن ليس أرضًا نُسكنها، بل عشقًا يسكن فينا
نبأ الأردن -
لوحة الفنان
محمد الدغليس
....
والبتراء شاهدة على أن الصخر يعرف لغة العاشقين.
حين تتحوّل الطبيعة إلى شريكٍ في الكفاح ويصير الصخر درعًا في وجه الغزاة.
الأردن ليس جغرافيا عابرة، بل وطنٌ يذوب في وجدان أبنائه كما يذوب العاشق في ملامح معشوقته. في صحرائه الممتدة وفي جباله الشاهقة وفي وديانه العميقة، كتب الأردنيون قصص حياتهم، وصاغوا من القسوة جمالًا ومن الشظف صمودًا. هنا حيث البتراء تعانق جبالها وتتزيّن بصخورها الوردية، يولد العاشق من رحم الصخر، يتنفس أنفاس الرمل ويصغي لصمت الريح كما لو كان موسيقى تُعزف على وتر الروح.
لم يكن الأردني يومًا خصمًا لأرضه، بل رفيقها وعاشقها، يقاسمها المصير ويستند إلى صلابتها في مواجهة كل غريبٍ جاء طامعًا. من برد الليل أخذ الدفء ومن حرّ النهار أخذ الصبر، ومن ندرة الماء أخذ معنى الحياة. ومن وعورة الجبال وصمت الوديان أخذ سرّ المقاومة؛ فكانت الطبيعة ذاتها حصنًا للأحرار وميدانًا يحطّم أوهام الغزاة ورفيقةً للإنسان في كفاحه الطويل.
في البتراء حكاية أزلية لا تموت؛ كل حجرٍ فيها وجهٌ للأجداد وكل نقشٍ فيها قصيدة صمود وكل وادٍ مرّت فيه جيوش الغزاة صار شاهدًا على انكسارهم. لم تكن الأرض مسرحًا للصراع فقط، بل كانت شريكًا فيه؛ تحمي أبناءها وتردّ الأذى عنهم وتحوّل صمتها إلى سلاحٍ خفيّ لا يخونه الزمن.
إنه التصالح بين الإنسان والطبيعة، حيث لا يقف أحدهما في وجه الآخر
بل يتعاضدان معًا. فالأردن ليس أرضًا نُسكنها، بل روحًا تسكن فينا والبتراء ليست أثرًا جامدًا، بل قلبًا نابضًا يُعلّم العالم أن الحبّ والمقاومة معًا يمكن أن يُكتبا بالحجر
وأن العاشق حين يذوب في أرضه يغدو حصنًا لا يُهدم.
.....
يا أردنُ فيك نعيشُ الحياةْ
وفي قلبِ صخرِك سرُّ النجاةْ
إذا ضاقَ صدرُ الزمانِ بنا
فأنتَ السلاحُ وأنتَ الثباتْ.
ويا بتراءُ… يا وردةً في الجبالْ
حملتِ على الصخرِ سرَّ النضالْ
إذا مرَّ جيشٌ على وادِكِ
تحوّلَ صمتُكِ نارَ القتالْ.

























