د. نضال المجالي يكتب :“غزة بين جناحين.. يد هاشمية وهلال اماراتي”
نبأ الأردن -
في زمن تتزاحم فيه الأزمات وتعلو فيه لغة المصالح على صوت الإنسان، يظل هناك من يثبت أن الخير لا تحدّه الجغرافيا، وأن العطاء ما يزال قادراً على اختراق الحصار والجدران. وفي قلب هذا المشهد الإنساني الملتهب، وان تعددت الجهود والأفكار واشكال الخير تبرز تجربتان رائدتان أصبحتا عنواناً للعمل الخيري العربي: الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والهلال الأحمر الإماراتي. كلاهما قدّم نموذجاً عملياً في كيفية تحويل المبدأ الإنساني إلى قضية هي اولوية، وفعل هو منظم مستدام، وكيف يصبح التحدي جسراً حقيقياً ممتدا يصل إلى غزة المنكوبة، حيث الحاجة أشد من أي وقت مضى.
لم يكن النجاح وليد اللحظة، ولهذا اكتب مجددا في ذات الهيبتان من مؤسسات عربية، بل هو حصيلة تراكم طويل من الخبرة والتجربة. الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، فقد رسخت على مدى سنوات ممتدة مكانتها كذراع إغاثي وإنساني للأردن، متكئة على ايمان بالقضية يسنده موقع جغرافي محوري يربط المشرق بالمغرب، ويجعلها بوابة طبيعية لعبور المساعدات الإنسانية إلى فلسطين. فكان اساس كل انزال ومعونة للعالم المهتم منه فقط. والهلال الأحمر الإماراتي الذي عرفته الساحات المأزومة منذ عقود، من آسيا إلى إفريقيا، حاملاً معه سمعة قائمة على الانضباط والقدرة على الوصول حيثما تتطلب الحاجة. وها هما معا ومكررا من جديد يؤكدان ليس فقط كفاءة كل طرف على حدة، بل التكامل عال المستوى بين الجهدين. فالإمارات بما تمتلكه من قدرات وامكانيات عالية المستوى استطاعت أن تزود وتعزز وتدعم عمليات إنزال جوي كثيرة، تولت فيها الهيئة الخيرية الهاشمية التنسيق والإشراف لضمان إيصالها جوا وبراً بالتعاون مع القوات المسلحة الأردنية، الى جانب قوافل من الخير الأردني التي جعلت من أراضي وسماء المملكة ممراً آمناً وحيوياً. هذا التكامل العملي بين البُعدين الجوي والبري، بين التشارك الإماراتي والتنفيذ والدعم عال المستوى الأردني، أنتج صورة مشرقة لما يمكن أن يحققه التعاون العربي حين يكون صادقاً وموجهاً نحو غاية إنسانية.
تعاون تجاوز كل الأرقام وأن كانت لغة الأرقام مهمة: مئات وآلاف الأطنان من المواد الغذائية، آلاف الطرود الطبية، وعدد توقفنا عن احتسابه من الإنزالات الجوية والقوافل البرية. فالقيمة الحقيقية تتجاوز الحسابات الكمية. فهي تكمن في الأثر النفسي والمعنوي على أهل غزة الذين يعيشون تحت حصار خانق وظروف إنسانية قاسية. كل طائرة تحلق فوق سماء غزة محملة بالمؤن، وكل قافلة تعبر المعبر تحمل رسائل غير مكتوبة مفادها أن غزة ليست وحدها، وأن هناك من يفكر بها ويمد لها يد العون رغم كل العقبات.
والأهم اليوم أن هذه الجهود لم تأتِ في إطار موسمي أو انفعالي، بل كانت منظمة ومستمرة، بحيث ضمنت تدفق المساعدات بشكل متواتر، ما أعطى ثقة أكبر لدى ابناء غزة، ورسالة واضحة للعالم أن الإغاثة بجهود وتنسيق مع الراية الهاشمية قادرة أن تكون مهنية وفاعلة، لا مجرد استعراض إعلامي.
في العمل لإغاثة غزة عندما تكون بصدق وقوة الراية الهاشمية وعزم الهلال الإماراتي نؤكد اننا اقرب ما نكون لإعلان اول مدرسة عربية مشتركة في العمل الإغاثي، تقوم على المرونة وسرعة الاستجابة، وفي الوقت نفسه تحمل رسالة سياسية ضمنية: أن الفعل العربي لا يمكن تجاهله، وأنه حين يتحرك يفرض حضوره على الأرض. وإن قصة الهلال الأحمر الإماراتي والخيرية الهاشمية في دعم غزة، ليست مجرد رواية إغاثية، بل درس في التنظيم والتكامل والعمل المؤسسي. درس يقول إن الإرادة الصادقة حين تُقرن بالتخطيط الجيد، يمكنها أن تحقق نجاحات مضاعفة. وأننا كعرب لسنا عاجزين عن إحداث فرق، متى ما اتحدت الجهود وتجاوزت الحسابات الضيقة، والتي تبني جسور الوصل التي لا تحكمه السياسة وحدها، بل تصوغه الرحمة، ويثبته العزم، وتزينه الإرادة وأن الخير العربي ان عمل متحدا فهو قادر أن يصمد أمام كل التحديات، وأن يد العطاء – مهما حوصرت – ستظل أقوى من جدار الحصار.

























