د.وليد العريض يكتب : تعقيب على مقال وليد عبد الحي " آفاق الموقف الاروبي في الشرق الأوسط"

{title}
نبأ الأردن -
في عالمٍ يزداد اضطرابًا، يبدو أن أوروبا بدأت تُراجع حساباتها تجاه الشرق الأوسط. هذا ما يلمسه القارئ بوضوح في مقالة  وليد عبد الحي الأخيرة، التي جمعت بين الدقة العلمية واللغة الرصينة، لتقدّم قراءة مختلفة في تحولات الدبلوماسية الأوروبية وخصوصًا ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.

ولعل أهم ما يميز رؤية الكاتب أنه لا ينجرّ إلى الخطابة الجوفاء بل يسند أحكامه إلى أرقام وحقائق؛ فيذكّرنا بأن الجغرافيا، مهما ادّعى البعض أنها فقدت وزنها أمام التكنولوجيا والاقتصاد، ما زالت تحكم السياسة الخارجية الأوروبية بقوة لا تُقاوَم.

الممكن: ما هو على الطاولة

المقالة تُبرز الممكنات التي تتحقق اليوم على الأرض، ولا تحتاج إلى معجزات:

الاعتراف بالدولة الفلسطينية: لم يعد خطًا أحمر في أوروبا، فقد لحقت إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا بالنرويج، والعدد مرشح للزيادة.

ضغوط تجارية وتسليحية: الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل وألمانيا وحدها تمدها بأكثر من ثلث احتياجاتها العسكرية. تعليق إيطاليا لتراخيص تصدير السلاح، أو قرارات المحاكم الهولندية بوقف شحنات عسكرية، دلائل واضحة على أن الأداة الأوروبية موجودة وفعالة.

الرأي العام المتحوّل:  تظهر الاستطلاعات  أن أكثر من ثلثي الأوروبيين يرفضون السياسات الإسرائيلية في غزة. هذه الموجة الشعبية هي التي دفعت الحكومات إلى استدعاء السفراء الإسرائيليين وإصدار بيانات أكثر جرأة.

هذه كلهاخطوات ملموسة، تتحقق لأن مصالح أوروبا المباشرة مهدَّدة: التجارة عبر المتوسط والبحر الأحمر، أسعار النفط والغاز والاستقرار الداخلي أمام موجات اللجوء.

اللاممكن: ما يتعذّر على المدى القريب

لكن  الكاتب  يذكّرنا – وعن حق – بأن هذه ليست ثورة أوروبية. هناك سقف لا تستطيع أوروبا تجاوزه الآن:

ثقل التاريخ الألماني يجعل برلين أسيرة لعقدة الماضي، فلا تستطيع أن تقطع خيطها مع إسرائيل بسهولة.

التحالف الأطلسي يقيّد أوروبا، فقرارها الكبير ما زال متشابكًا مع إرادة واشنطن.

المتباينات الداخلية  وصعود اليمين الشعبوي يحدّ من أي تحرّك جماعي جريء.

لهذا من الصعب أن نرى أوروبا تفرض عقوبات اقتصادية شاملة على إسرائيل، أو أن تتحول إلى قائد ثورة دبلوماسية عالمية ضدها في المدى القصير.

رؤية مختلفة، لكن احترام للرؤية، 
أتفق مع الكاتب في أن أوروبا تتحرك بدافع مصالحها، لا بدافع عاطفة إنسانية، وأن العرب أمام فرصة لاستثمار هذا التحول. لكن لي وجهة نظر مختلفة 
 في بعض النقاط الواردة:
-إغلاق مضيق هرمز  إن حدث  لن يدفع أوروبا بالضرورة للعودة إلى الطاقة الروسية، بل إلى تنويع بدائلها ولو بكلفة أعلى. وهنا نؤكد رأي عبد الحي نفسه بقوله " ان تكلفة البترول من غير روسيا أعلى كثيرا " جدا" من العودة للنفط الروسي وخاصة ان توفير أكثر من تسعة ملايين برميل يوميا  لأوروبا ليس امرا سهلا  على الإطلاق..مصادر الطاقة اما بعيدة جدا  عن أوروبا او مكلفة جدا نظرا لنفقات الشحن عن بعد او ارتفاع نسبة التأمين كلما زادت المسافة.. ."

إن ضغوط واشنطن لرفع إنفاق الناتو إلى 5% ليست مرتبطة فقط بالشرق الأوسط، بل بالحرب الأوكرانية والتهديد الروسي أولًا.
هذا اختلاف في زاوية الرؤية، لا في الاعتراف بجوهر التحول.

وخلاصة القول: في النهاية لسنا أمام أحلام بعيدة المنال. أوروبا تُراجع مواقفها والفرصة قائمة، لكنّها لن تنتظر طويلًا. إن فلسطين اليوم ليست مجرد قضية إنسانية، بل مرآةٌ تكشف لأوروبا وللعالم حدود العدالة ومصداقية القيم.
وإن نحن  العرب  اكتفينا بالقصائد والشجب، فسوف يكتب التاريخ أن الممكن كان في متناول اليد، لكننا تركناه يضيع. أما إذا تحركنا بوعي، فقد يكون هذا التحوّل الأوروبي بداية طريقٍ يعيد للقضية الفلسطينية بريقها في الساحة الدولية.
فالقضية ما زالت تنبض والفرص ما زالت تُطرق الأبواب وما علينا إلا أن نملك الجرأة على فتحها.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير