نشأت الحلبي يكتب : غزة والمنطقة منذ السابع من أكتوبر .. وتوقعات المشهد الأخير في المسلسل الدامي

{title}
نبأ الأردن -
منذ أحداث ألسابع من أكتوبر وحتى اليوم، آثرت شخصياً الصمت، واكتفيت بمقالين اثنين، أولهما في الثامن من أكتوبر، وقلت فيه إننا أمام سيناريوهان لا ثالث لهما، أولهما أن تذهب إسرائيل باتجاه ضربات "تنفيسية" لـ "فش غل" الشارع الإسرائيلي، ثم تذهب للتفاوض على ورقة المختطفين أو الأسرى أو الرهائن، مهما كانت التسمية، فيما سيكون السيناريو الثاني أن تذهب إسرائيل إلى الدمار الشامل واحتلال غزة حتى لو كان الثمن حياة أسراها لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وأما المقال الثاني فكان بعد أيام إذ قلت إن إسرائيل وكما يبدو، قد قررت الذهاب الى التدمير الشامل مهما كانت النتائج.
والآن، فأنا أكتب المقال الثالث منذ السابع من أكتوبر، وهنا القراءة لا بد وأنها مختلفة تماماً، لكنها مبنية على المقال الثاني، فماذا بعد التدمير الشامل.
ثمة موجة شعبية عارمة، وعالية جداً، تمنعك من انتقاد المقاومة مهما كانت الأسباب، ومهما كانت النتائج والوقائع، فالمواطن العربي عموماً، والفلسطيني خصوصا، يبحث عن ما يحاكي عاطفته لا واقعه، ويبحث عن بارقة أمل بنصر لطالما غاب عن المشهد العربي منذ أن حطت كل الحروب العربية الإسرائيلية، أوزارها، وعليه، فإن حركة المقاومة الإسلامية حماس، حركت في النفوس ما حركت من ساكن يسكنه الأسى والحزن و"الغبن"، وعليه، فقد كانت النتيجة الأولى لحرب غزة هي تقوية الصلة والعلاقة بين الإسلام السياسي والمواطن العربي عموماً ذلك أن حماس إسلاموية "السياسة"، ولعل هذا كان السر الخفي وراء تحقيق الإسلاميين، في الأردن مثلاً، نتائج كبيرة وتاريخية في الانتخابات النيابية، ولهذا وجه آخر نتج جراء تقادم الحرب ونتائجها، ولعل الوجه الأهم يبقى في توتر علاقات الإسلام السياسي، ومنها حركة الإخوان المسلمين، مع كل، وليس بعض، الحكومات العربية، ووصلنا إلى حد الحظر كما جرى أيضاً في الأردن، ولربما هناك سيناريوهات أخرى ستعكس توتر العلاقات بعمق أكثر.
في الشأن الفلسطيني، بات من الواضح تماماً بأن إسرائيل، ولا سيما قادتها من المتشددين وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد دفنت مشروع الدولة الفلسطينية، وإذا لم يكن الى الأبد، فربما لعشرات السنين القادمة، وعليه، فإنه، وغير تدمير غزة وحركاتها، فإنها دمرت التفاهمات مع السلطة في رام الله، والأخطر الآن أنها ستعمل على ضم مناطق عام 1967 ليس على أرضية أنها أرض يهودا والسامرة فحسب، بل هو جزء من الانتقام لغزوة السابع من أكتوبر، وإذا ما لاحظنا، فإن فكرة الضم قد ولدت بعد أن أبدت الكثير من الدول الأوروبية، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم أن هذا الاعتراف هدفه سياسي بالأساس لتجريد حركات المقاومة من أي أمل بالمشاركة في السلطة بالمستبقل، إن كان هناك سلطة ستكون.
وأما على الصعيد العربي وصعيد المحيط، فقد كانت الضربة الأقوى لحزب الله اللبناني، فغير قتل قياداته المؤثرة وعلى رأسها حسن نصرالله، فإن مصير سلاح الحزب بات الآن على طاولة البحث بعد أن كان من المحرمات.
وأما عربياً، فربما سرعت الأحداث بسقوط حكم بشار الأسد في سوريا ووصول إسلام سياسي من نوع آخر إلى السلطة، لكن المفاجأة كانت بأن هذا النظام من البراغماتية بمكان بحيث قبل أن يجلس إلى الإسرائيليين وجهاً إلى وجه وأن يفاوضهم، فلا مانع إذن من كسر جليد تراكم نحو 50 عاماً!
سقوط الأسد، وانهيار حزب الله، يعني في المحصلة قطع أذرع إيران الرئيسية في المنطقة، وإذا ما مررنا على الضربات "القاتلة" التي تلقاها برنامج إيران النووي، فإننا ننتهي إلى محطة مهمة تقول إن المشروع الإيراني في الشرق الأوسط تلقى ضرمة قاضية، وليس أدل على ذلك من إعلان المرجعيات الدينية والسياسية الإيرانية القبول بعودة التفاوض مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتراجع عن لغة المواجهة، وهذا يعني بأن الشروط الأميركية التي تمر عبر الوكالة، ستكون العناوين الأساسية للمفاوضات.
وأما في اليمن، فلا أحد يعلم حقيقة ما يجري هناك مع شح المعلومات، لكننا أمام ضربات عنيفة نفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
في الشأن العربي، فإن مرور ما يقارب سنتين حتى الآن على هجمات السابع من أكتوبر، ومآلات ما بعدها، يشي بأن موقفاً عربياً أكثر من الوساطة حيناً، والتنديد والاستنكار، وما هو على شاكلتها، لن يكون بالمطلق، فليس هناك من دولة عربية مجهزة أو مهيأة، أو تفكر، بدخول حرب مع إسرائيل، فغير صواريخ إيران، لم يكن هناك من ردة فعل عسكرية، وأما هذه، فإن نتائجها واضحة للعيان، ورغم ذلك، فقد عادت طهران الى لبنان لتقول من هناك إنها ما زالت موجودة، وإن مشروعها قائم، لكن، هل هذا الوجود هو ذات التأثير القديم قبل الضربات الأميركية؟
المحطة الأهم التي تجري الآن هي محاولة حكومة إسرائيل المتطرفة، إسدال الستار على المشهد الأخير من الحرب وبدعم أميركي مطلق، ولعل في رفضها لمقترحات الوسطاء الأخيرة، رغم موافقة حماس عليها، تؤكد بأن لا خيارات أمام نتنياهو سوى الذهاب الى الحلقة الأخيرة من المسلسل الدامي في غزة.
وعودة على بدء، فإن المواطن العربي، الممتلئ قهراً على مشاهد القتل والتدمير، وآخرها، التجويع، في غزة، ما زال يرفض حتى فكرة إنهاء المقاومة أو استسلامها، لإيمانه بعدالة القضية، وهو لأجل ذلك يرى بعضاً من الأمل في كل عملية يتم بثها مثل استهداف جندي إسرائيلي أو دبابة ميركافا أو تفجير قوة إسرائيلية.
المشهد الأخير لا أحد يعرف فصوله بعد، وفي الوقت الذي تدور فيها حكايات عن حلول لربما مقبولة فلسطينياً وعربياً مثل أن تتولى السلطة الفلسطينية الحكم في غزة، وأن تتراجع حماس من المشهد حتى يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من غزة وأهلها، إلا أن حكومة التطرف في تل أبيب، ترفض حتى هذا الحل، فكما قلنا سابقاً، فهي أعلنت عن نيتها ضم الضفة الغربية وإنهاء السلطة ذاتها، وهذا يعمّق ضبابية المشهد النهائي في مسلسل الدماء بقطاع غزة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير