وليد العريض يكتب: الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء(19)

{title}
نبأ الأردن -
كيف صارت الأرانب وزراء والقنافذ حكماء والذئاب دعاة إصلاح!

..........
يقال إن في الغابات أسرارًا، لكن غابة الدعاء الضائع تكاد تكون أعجب من كل أساطير البشر. فهناك ترى الأرانب تتحدث بلهجة الوزراء والقنافذ تمشي كأنها مجالس حكماء والذئاب تنادي بالإصلاح كما لو أنها وُلدت ملائكة. من دخلها خرج بصرخةٍ أو ضحكةٍ، لكنه لا يخرج بغير الخيبة. ولأنني غريب يهوى الرحلات العجيبة، عزمت أن أكتب ما رأيت فيها من صباحها حتى ليلها، لعل القارئ يضحك وهو يذرف الدموع أو يبكي وهو يبتسم.

مشاهد الرحلة في الغابة

الصباح: مجلس الأرانب

مع إشراقة الشمس، اجتمعت الأرانب في مجلس مهيب، ترتب آذانها الطويلة كتيجان وتخطط للمستقبل. قالت إحداهن: "سنزرع الجزر فوق قمم الجبال ونقيم أسواقًا على حواف النهر."
صفّق القنافذ كأنهم حُكماء، يكتبون بيانًا تلو بيان عن حكمة الجبال والجزر. أما الذئاب، فقد لبست جلود الحملان وأخذت تخطب عن الإصلاح والعدل، حتى خُيّل للعصافير أن الضواري تابوا فجأة وصاروا دعاة رحمة.

لكن الضباع كانت أكثر صدقًا: ضحكت خلف الأشجار وأكلت بقايا الولائم الماضية ونامت مطمئنة أن المستقبل لا يعدو أن يكون وليمة جديدة لها.

الظهيرة: هبّة الفهود

في منتصف النهار، علت أصوات الفهود تهتف: لن نقبل بالفتات! لنحرر الغابة!
انطلقت كالعاصفة، حتى ظنّ النمل أنه آن أوان الحرية. غربت الشمس، فعادت الفهود مثقلة بالغبار، بلا فريسة ولا نصر، بينما ازداد شبع الضباع وعلت ضحكاتها.

هنا فهمت أن الغابة جُرّبت فيها المخالب فلم تُحرَّر.

العصر: صلح السلاحف

في وقت العصر خرجت السلاحف، ببطءٍ لا يزعج حتى العشب وقالت: لقد سئمنا الحرب، فلنصالح الضباع.
رحّبت الضباع بهذا الصلح، بل كادت تكسر أنيابها من فرط الابتسام.
فرحت الأرانب وألّف القنافذ حكمًا جديدة عن الاعتدال وغرّدت الغربان بنشيد الفجر الجديد. لكن حين غربت الشمس، لم يبقَ من الغابة إلا بيوتٌ مهدومة ومخابئ خاوية وجيف تحوم حولها الذباب.

هنا فهمت أن الغابة جُرّبت فيها المساومة فلم تُبقِ شيئًا.

مشهد النمل
على الهامش، ظل النمل يسير في طوابير طويلة يحمل فتاته. همس بعضه لبعض: صبرٌ جميل.
ضحك الذباب المتخم من فوق الجيف وقال: أما مللتم من صبرٍ لا يُثمر؟
لكن النمل مضى في صمته كأنه مكتوبٌ عليه أن يحمل الأعباء إلى آخر العمر.

الطيور العائدة
مع الغروب عادت الطيور المهاجرة. سألت الغربان: ماذا تغيّر في غيابنا؟
أجاب غراب أشيب: المقاومة لم تحرر والسلام لم يُبقِ شيئًا. بقيت الضباع في ولائمها وبقينا نحن ننعق على الخراب.
ابتسمت الطيور بأسى وحلّقت من جديد، تاركة الغابة لمصيرها.

الليل: حكمة القرد العجوز
حين حلّ الليل، جلست إلى قرد عجوز فوق جذع يابس. قال لي وهو يهز رأسه:
لقد جرّبنا كل شيء: سيف الفهود، صلح السلاحف، حكمة القنافذ ووعود الأرانب فلم نجنِ إلا أن الضباع تضحك والغربان تنعق.
ثم صرخ:
يا غابة إن لم تحرري نفسك بنفسك، فلن يحررك أحد.
لكن لم يرد عليه إلا صدى ضحك الضباع.
وعند الغروب خرجت من الغابة كما دخلتها، أحمل في يدي دفترًا مليئًا بالهزل الجاد والجد الهزلي. ولو سألني سائل: ما الذي تعلمته من هذه الرحلة؟ لأجبته:
إنها غابةٌ لا يُستجاب فيها الدعاء، حيث الأرانب وزراء والقنافذ حكماء والذئاب دعاة إصلاح، لكن لا المقاومة حررت ولا السلام أبقى شيئًا.
فهل الغابة إلا مرآة لنا ولكننا نضحك حين نراها كي لا نبكي؟
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير