ما بعد الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي …. سخط أم سلام على الشرق المتوسط

{title}
نبأ الأردن -

الباحثة: فاطمة هارون العمارات
من البديهي بأن الإتفاق النووي الإيراني لن يتم إلا إذا شعرت كل من أمريكا وإيران بأن هذا الإتفاق يدعم مصلحتهما، لكن الحال مختلف في الشرق المتوسط؛ فهل سيصب هذا الإتفاق بمصلحة الشرق المتوسط أم سيكون سخط ونقمة عليهم؟
تتأثر دول شرق المتوسط بالاتفاق الأمريكي الإيراني بدرجات متفاوتة، كل دولة حسب علاقتها مع ايران وأمريكا؛ فعلى سبيل المثال عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على إيران فرضت أيضا عقوبة على كل من يتحالف مع إيران كسوريا وتركيا والعراق فتلك الدول لديها مصالح اقتصادية مع إيران، وتمثلت العقوبة بمنع الدول التي تتعامل اقتصاديا مع إيران من دخول السوق الأمريكية، على غرار ذلك أوجدت تلك العقوبات نفعا مع الدول التي تقف ضد إيران كالسعودية ودول الخليجية بشكل عام.
لكن في حال تم الإتفاق بين إيران وأمريكا هل سيبقى الواقع متفاوت المنفعة بالنسبة لدول الشرق المتوسط؟ بالواقع بأن هذا الإتفاق وإذا كان فيه منفعة بمقدار ذرة على الشرق المتوسط فسيقابلها اضرار جسيمة على المدى البعيد.
أولا: دول الخليج العربي
عندما فرض دونالب ترامب عقوبات على إيران والتي تصب مع مصلحة السعودية، قامت إيران بعدة أفعال كرد فعل والتي تؤثر على تصدير النفط السعودي من خلال المضايقات على مضيق هرمز، بحيث هددت إيران إذا لم تستطع تصدير النفط الإيراني ستعمل على إغلاق المضيق. ناهيك عن الاقتصاد الإماراتي الذي تأثر، فالتبادل التجاري بين إيران والإمارات تراوح إحدى عشر مليار دولار في عام 2017، أيضا هناك عدد لا بأس به من المستثمرين الإيرانيين في الإمارات.
وبالرغم من هذا إلا أن السعودية والإمارات غير مرحبتان بإرجاع الإتفاق النووي الأمريكي. ومن المرجح أن السبب خوف كلا الدولتين من تفوق إيران عسكريا عليهم؛ فعلى الرغم من مليارات الدولارات التي تنفقها السعودية والإمارات عسكريا والتي تبلغ أضعاف ما تنفقه إيران إلا أن التفوق الإيراني العسكري غير مستبعد بالنسبة للبلدين. والخطر الرئيسي أيضا الخوف من إمتلاك إيران للسلاح النووي، والذي بكل تأكيد سيعمل على خلل في موازين القوى العالمية وتحديدا في الشرق المتوسط حيث سيعمل على زعزعة أمن الدول الخليجية من خلال دعم إيران للمليشيات المسلحة لزعزعة الأمن في المنطقة.
فلنضع صورتين أمامنا: الأولى حدوث الاتفاق مما يعني قوة إيران اقتصاديا وبالتالي ازدياد قوتها وتدخلها بالمنطقة. الصورة الثانية عدم حدوث الإتفاق وهذا يعني امتلاك إيران للسلاح النووي وتخصيب اليورانيوم كرد فعل وأيضا إحداث مشكلات في اليمن وسوريا والعراق بهدف إحداث مضايقات في المنطقة. وإذا لم يكن هدف إيران من السلاح النووي ضرب الخليج فمن المؤكد ستهدف إلى ضرب القواعد الجوية الأمريكية في الدول الخليجية وإن فعلت فمن غير شك تتأثر المنطقة جميعها. أما من ناحية جغرافية فالمفاعل النووي الإيراني ليس ببعيد عن الكويت وفي حال حدوث أي خطأ أو تسريب ستكون الدول الخليجية أولى المتضررين.
ثانيا: الكيان الإسرائيلي
يرفض الكيان الإسرائيلي الاتفاق النووي رفضا قطعيا منذ عهد ترامب. فهو يعتبر هذا الاتفاق بمثابة تخلي أمريكا عنها باعتبار طهران أكبر داعم لأعدائها -حزب الله وحماس-. عدا عن خوفها من امتلاك إيران للسلاح النووي حتى ولو كان لأغراض سلمية حيث يعتبر الكيان الإسرائيلي وجود سلاح نووي إيراني يهدد أمنها بشكل مباشر ويعطي القوة لإيران.
ثالثا: الجمهورية التركية
من الواضح للعيان بأن تركيا من أبرز الداعمين للإتفاق النووي الإيراني وذلك لعدة أسباب أهمها: رغبة منها بوقف برنامج السلاح النووي الذي سيتوقف إذا تم الاتفاق، أيضا أن الاتفاق بين إيران وامريكا سيؤثر بشكل مباشر على تحسن العلاقات التركية الأمريكية، حيث نشب التوتر بين أمريكا وتركيا بعد رفض تركيا بشكل حاسم التصويت ضد إيران في عام 2010، أضف إلى ذلك سيؤثر الإتفاق إيجابا على اقتصاد تركيا لأنها ستجد لها سوقا في سوريا ولبنان، وكذلك سيصبح بمقدورها الحصول على النفط الإيراني بأسعار منخفضة، حيث العقوبات على إيران دفعتها إلى رفع أسعار نفطها. لكن من جانب أخر، لن يصبح لتركيا قوة دولية وذلك لوجود القوة الإيرانية.
رابعا: الجمهورية العربية السورية
إتمام الاتفاق النووي يعني رفع العقوبات عن المال الإيراني مما يعني ملئ الخزنة الإيرانية بمليارات الدولارات مما سيجعلها تدعم نظام الأسد وتقويه من ناحية ومن ناحية أخرى ستزيد أهمية إيران بالمنطقة من خلال تدخلها أكثر وأكثر بالعراق ولبنان واليمن. وتدعم كل المليشيات التي تهدف إلى زعزعة أمن الدول في الشرق المتوسط بهدف تقوية وجودها بالمنطقة. فما بعد الإتفاق سيكون أصعب مرحلة يمر بها الشرق المتوسط وذلك بسسب القوة الاقتصادية التي ستمنح لإيران.
وأخيرا: الإتفاق النووي سيجلب منفعة لكل من الطرفين الأساسين- أمريكا وإيران- لكن عند النظر بالعدسة وتقريب الصورة أكثر وأكثر سيتبين بأن المتضرر الرئيسي من ذلك الإتفاق هو الشرق المتوسط، وهذا الإستنتاج لا يحتاج لجهد عقلي كبير لإستنتاجه فالولايات المتحدة الأمريكية لن تقدم على خطوة فيها منفعة للشرق المتوسط، بالرغم من مقدرة الإتفاق على وقف برنامج السلاح النووي إلا أنه بمثابة إعطاء ضوء أخضر لإيران بأن تصبح القوة الأقليمية في الشرق المتوسط، وإعطاءها صلاحية للتدخل بالدول العربية. وستتغير المسميات من إيران العدو اللدود لأمريكا إلى الصديق واليد الأمريكية في الشرق المتوسط.


تابعوا نبأ الأردن على