د. وليد العريض يكتب:كباب الساطور… حين تتحوّل النار إلى وعدٍ بالتحرير
نبأ الأردن -
في عالمٍ يُفرم فيه الإنسان كما تُفرم اللحمة في ماكينةٍ باردة الروح، ويُؤكل فيه الحقّ بلا ملحٍ ولا ضمير يبقى للساطور وجهٌ آخر وجه العزة.
أنا لست من أنصار الكباب المعلّب، ذاك الخارج من فم المعدن كما تخرج التصريحات الرسمية: بلا طعم، بلا دفء بلا ماضٍ.
لكنني، منذ أيام تذوّقت كبابًا أعادني إلى أوّل الجرح وإلى أوّل الكرامة.
كباب الساطور.
كبابٌ لم تُقطّع لحمته بماكينةٍ منسية، بل بساطورٍ يشبه أيدي الفلاحين حين يبنون الحياة من الصخر ويعجنون الوجع حتى يصير خبزًا.
ساطورٌ لا يقتل
بل يبعث الحياة.
يُعيد اللحم إلى ذاكرته، والوجبة إلى جوهرها والمائدة إلى معناها الأول: حضنٌ من نارٍ وكرامة.
حين هُجّر اللحم من الماكينة في برد المهجر
أبدع أبو محمود في مطبخه الصغير كبابًا بساطور.
فصار اللحمُ ناعمًا من خشونة اليد
وصارت الوجبةُ قصيدةً تقطعها السكين على إيقاع الشوق
وصار كباب الساطور
مقاومةً من لحم الذاكرة.
لكن وأنا أتناوله على مهلٍ تلك الليلة،
رأيتُ غزّة.
رأيتها في شرارة النار
وفي حنين اللحم حين يلتقي الفحم
وفي ساطورٍ لا يقطع الرأس بل يُوقظ الوعي.
رأيت أمًّا تُعدّ وجبةً من لا شيء
وطفلاً ينتظر رائحة الكرامة
ومقاومًا يشعل النار تحت صفيحةٍ من الصفيح
ثم يأكل وقلبه على الجبهة
وروحه مشدودة إلى الله وإلى فلسطين.
كباب الساطور ليس ترفًا
بل موقف.
ليس نكهةً عابرة
بل عهدٌ من لحمٍ ودمعٍ ونار.
نأكله ودمعنا مالح
وقلوبنا تهمس: اللهم اجعل هذا الساطور ساطور نصر
ساطورًا لا يفرم إلا الباطل
ولا يقطع إلا الحصار
ولا يهوي إلا على رأس الظلم.
نأكله لا لنشبع بل لنتذكّر.
ولا لنتلذّذ بل لنقاوم على طريقتنا.
نأكله وفي العين صورةُ غزة،
وفي القلب يقين:
أن من يشعل نار الكرامة في المطبخ
لن تُطفأ ناره على الجبهة.
كباب الساطور نُشعله اليوم بنار الحنين
وغدًا، إن شاء الله، نُشعله بنار النصر.
د. وليد العريض
مؤرخ واديب وشاعر وكاتب صحفي.
30تموز 2025

























