د. فواز ابو حجلة يكتب: الوسيط العقاري في الأردن: مهنة بلا تشريع

{title}
نبأ الأردن -

قبل مدة التقيت بأحد الأشخاص حيث قام بالتعريف على مهنته بأنه وسيط عقاري، وبسبب خلفيتي القانونية وعملي في المجال العقاري لمدة تقارب الثلاثون عام لفتت انتباهي هذه العبارة "وسيط عقاري" حيث قمت بعدها بالرجوع للتشريعات الأردنية عامة والتشريعات العقارية خاصة للبحث عن مصدرها ولأرى كيف عالج المشرع الأردني هذه المهنة وكيف وضع أحكامها وشروطها والنظام القانوني المنظم لها لأتفاجأ بعدم وجود هكذا مصطلح في التشريع الأردني وقبل أن تتفاجأ مثلي عزيزي القارئ و قبل أن تنكر علي هذا الرأي أرجو منك قراءة هذا المقال حتى نهايته.

 

في البداية نبين أن الوسيط العقاري: (Real Estate Agent / Broker) هو شخص مرخص من قبل هيئة حكومية (دائرة الأراضي والمساحة). يعمل عادة ضمن شركة وساطة عقارية مرخصة ويلتزم بقوانين وقواعد أخلاقية صارمة لحماية مصالح عملائه. غالباً ما يحمل مؤهلات أو تدريباً متخصصاً. هذا الشخص يقوم بأعمال الوساطة العقارية بين طرفين أحدهما بائع أو مؤجر والأخر مشتري أو مستأجر لقاء مقابل من أجل إبرام عقد نقل ملكية أو ايجار دون أن يكون طرفا في هذا العقد أو تابعا لأي من طرفيه.

 

وبعد هذا التعريف اعيد وأؤكد أن المشرع الأردني لم ينص على مهنة الوسيط العقاري بهذه العبارة ولم يضع شروط وأحكام خاصة بها إنما اناط ممارسة هذه المهنة بالمكاتب العقارية حيث سمح للمكتب العقاري المرخص ممارسة مهنة التوسط في بيع العقارات وتأجيرها ووضع شروط قبل السماح لهذا المكتب بممارسة هذا العمل، والغريب أن المشرع وفي معرض تنظيمه لشؤون مهنتي التقدير العقاري والمساحة وضع نظام لكل مهنة من هذه المهن استنادا لاسم هذه المهنة حيث يوجد نظام يسمى نظام تقدير قيم العقارات وتسجيل المقدرين العقاريين رقم (37) لسنة 2020 وكذلك يوجد نظام تنظيم مهنة المسـاحة وتعديلاته رقم (52) لسنة 2001، وفي النظام الأول قام بتعريف المقدر العقاري بأنه المقدر المسجل في الجدول والمعتمد بمقتضى احكام هذا النظام سواء أكان يعمل لحسابه أم مقدرا داخليا وفي النظام الآخر عرف المساح المرخص : بأنه المساح الذي رخص له بممارسة المهنة بمقتضى أحكام هذا النظام . بينما في نظام تنظيم المكاتب العقارية لم يتم تعريف الوسيط العقاري ولا ذكره بالاسم إنما جاء تعريف للمكتب العقاري بأنه المكتب المرخص له بالقيام بأعمال شراء الاراضي والعقارات وبيعها وتأجيرها والتوسط في أي منها وفقا لأحكام هذا النظام ولم يقم هذا النظام بتعريف الوسيط العقاري أو الوساطة العقارية ولا بيان احكامها ومفهومها. مع ان الغرض من التشريع هو تنظيم المهنة وليس تنظيم المكاتب.

ولا يخفى على الجميع بأن المكتب العقاري يتكون عادة من عدة موظفين بالإضافة لصاحب المكتب حيث يمكننا أن نجد السكرتيرة والمراسل والمساح والمسوق العقاري والمقدر العقاري ومعقب المعاملات ولكل شخص من هؤلاء له وظيفته المستقلة والتي قد يجتمع بعضا منها في شخص واحد.

ولذا كان من الأجدى من المشرع كما أفرد وعرف المقدر والمساح وسمى النظام الخاص لكل منهما بالمهنة نفسها أن يفعل كذلك في مهنة الوسيط العقاري وأن  يتم تسمية النظام: نظام تنظيم مهنة الوساطة وتسجيل الوسطاء العقاريين بدلا من نظام تنظيم المكاتب العقارية، حيث أنمن الطبيعي أن يكون لكل صاحب مهنة من هذه المهن (ان لم يكن لكل المهن المعترف بها) مكتب لممارسة مهنته، تخيلوا لو أنه تم وضع نظام بهذا الشكل لجميع المهن لأصبحت مهن المقدر والمساح والمحامي والطبيب تحت مسمى نظام مكاتب التقدير او نظام مكاتب المساحة او نظام مكاتب المحامين او نظام العيادات الطبية مع أن غرض المشرعوضع احكام وشروط للأشخاص ممارسي هذه المهن وليس مكان عملهم.

ونعود لما جاء في مقدمة هذا المقال فإن القول الصادر عن أي شخص بأنه وسيط عقاري يستلزم وجود نظام او جهة تنظم هذه المهنة والقول بأن الوسيط العقاري هو كل من عنده مكتب عقاري غير صحيح فكثير من العاملين في المكاتب العقارية هم عبارة عن موظفين ويقومون بدور الوسطاء في هذا المكتب ولا يملكون مكتب وبالتالي وحسب النظام الذي حدد ممارسة مهنة الوساطة بالمكتب فإن هذا الموظف لا يجوز أن يطلق على نفسه وسيط عقاري. وهذا الموظف من حقه أن يكون وسيط عقاري كونه يمارس أعمال الوساطة العقارية رغم أنه لا يملك مكتب بل يعمل في مكتب.

 

وحيث أن رفع سوية أي قطاع يستلزم سن تشريعات تواكب التطورات والتحديثات فقد اتجهت العديد من الدول لاعتماد ما يسمى نظام الوساطة العقارية (أو نظام الوسيط العقاري) على أنه النظام الأحدث والأكثر تنظيمًا مقارنةً بنظام المكاتب العقارية التقليدية. وأصبح هناك اتجاه للانتقال من نظام المكاتب العقارية إلى نظام الوساطة العقارية المنظم بشكل أكبر.

وفي رايي الشخصي أن الأفضل من ذلك أن يتم اصدار تشريع موحد يضم جميع المهن العقارية تحت مسمى (قانون او نظام المهن العقارية) وتحت إشراف جهة موحدة كدائرة الأراضي والمساحة بحيث ينظم هذا القانون شروط واحكام أصحاب المهن بالإضافة للمهنة نفسها وأن يشمل هذا القانون أو النظام المهن العقارية الرئيسية الثلاث (المقدرون، المساحون، الوسطاء العقاريون) بالإضافة لمهن عقارية مستحدثة في القطاع العقاري لا يشملها أي نظام حتى تاريخه وهذه المهن المستحدثة على نوعين مهن رئيسية ومهن مساندة وقد تجتمع بعض هذه المهن في شخص واحد وهي كما يلي:

أولا: المهن الرئيسية: وهي مهن مستحدثة ومهمة تتطلب تأهيلا ومعرفة وخبرات متعددة: 

1-المسوق العقاري: شخص او شركة تركز على عرض وترويج المشاريع العقارية والمنشآت التابعة لمطورين ومقاولين، وقد يشرف في نفس الوقت على إتمام صفقات البيع والإيجار. دون ان يكون دوره عادة التوسط بين الطرفين او تقريب وجهات النظر بينهما.

2-مدير العقار: هو شخص أو شركة محترفة يتم تعيينها من قبل مالك عقار (أو مجموعة من الملاك) لتولي مسؤولية الإدارة الشاملة للعقار نيابة عنه. يهدف دور مدير العقار إلى تحقيق أقصى عائد على استثمار المالك، مع الحفاظ على قيمة العقار وزيادتها بمرور الوقت، وضمان رضا المستأجرين (إن وجدوا). وهذه المهنة تم النص عليها مؤخرا في نظام معدل لنظام إدارة القسم المشترك في العقار والمجمع العقاري وذلك لإدارة الأقسام المشتركة ولكن كشركة وليس كشخص حيث عرفها النظام كما يلي: شركة إدارة الخدمات المشتركة: الشركة المرخصة لإدارة العقارات المشتركة التجارية والسكنية أو المرافق المشتركة أو الأقسام المشتركة أو المحلات داخل المجمعات والأسواق (المولات).

3-المستشار العقاري: المستشار العقاري هو خبير مهني يقدم المشورة والتحليلات الاستراتيجية المتخصصة للأفراد والشركات والمؤسسات فيما يتعلق بالقرارات العقارية المعقدة. على عكس الوسيط العقاري الذي يركز بشكل أساسي على تسهيل عمليات البيع والشراء أو التأجير، يركز المستشار العقاري على تقديم الرؤى والتحليلات والحلول القائمة على البيانات والخبرة لمساعدة العملاء على تحقيق أهدافهم العقارية على المدى القصير والطويل.

وبشكل عام، المستشار العقاري لا يشارك مباشرة في إتمام الصفقات (البيع أو الشراء) بالمعنى التقليدي للوساطة، ولكنه يقدم استشارات محايدة وموضوعية تساعد العملاء على فهم السوق، وتقييم الفرص، وإدارة المخاطر.

ثانيا: المهن المساندة: وهي مهن ثانوية لا تتطلب دراسة ومؤهلات عالية وتكون عادة لمساعدة المهن العقارية الرئيسية وهي:

1-معاين العقار: أو ما يطلق عليه بالعامية (الكشيف): هو خبير متخصص ومؤهل يقوم بإجراء فحص بصري وتقييم مبدأي ومنتظم للحالة المادية والإنشائية العامة للعقار. تتركز مهمته الرئيسية على تحديد أي عيوب ظاهرية، أو مخاطر محتملة قد تؤثر على سلامة العقار أو قيمته أو وظيفته. واثبات حالة العقار العامة ووصفه دون الدخول في التفصيل الدقيقة.

2-القياس: هو شخص مؤهل لأخذ قياسات داخلية أو خارجية للمباني، مثل قياس مساحات الشقق أو المكاتب، أو تحديد أبعاد الغرف. وقد لا يمتلك نفس صلاحيات أو تدريب المساح المعتمد في تحديد الحدود القانونية أو تقسيم الأراضي.

3-معقب المعاملات العقارية: هو شخص متخصص يقدم خدمة متابعة وإنجاز الإجراءات الورقية والالكترونية والمعاملات الحكومية نيابةً عن الأفراد أو الشركات. في القطاع العقاري، ويتركز دوره تحديدًا على تسهيل وتسريع سير المعاملات المتعلقة بـ العقارات في مختلف الدوائر المختصة.

 

في الختام فإن الهدف أو الغاية من هذه الاقتراحات والتعديلات سواء بتعديل نظام المكاتب العقارية ليصبح نظام الوساطة العقارية أو وضع نظام المهن العقارية ليشمل جميع المهن هي:

 

التنظيم والحوكمة: يهدف نظام الوساطة العقارية الجديد إلى تنظيم السوق بشكل أكبر، ومنح تراخيص للوسطاء العقاريين بشكل فردي أو للمكاتب التي تضم وسطاء مرخصين. هذا يساهم في تقليل الممارسات غير القانونية والاحتيال.

حماية الأطراف: يضمن النظام الجديد حقوق جميع الأطراف (البائع، المشتري، المستأجر) ويقلل من النزاعات، حيث يفرض شروطًا واضحة للتعاقد والعمولة.

توفير فرص العمل: في بعض الدول، يساهم هذا التنظيم في توفير الوظائف في القطاع العقاري وتأهيل كل اصحاب مهنة وفقا لمتطلبات هذه المهنة.

التخصص: يميز النظام بين مهنة الوساطة العقارية (التوسط في إتمام الصفقات) ومهن أخرى مثل المقدر العقاري، التسويق العقاري أو إدارة الأملاك، مما يؤدي إلى تخصص أكبر وخدمات أكثر احترافية.

مكافحة "السماسرة" غير المرخصين: يحد النظام الجديد من عمل الأشخاص غير المرخصين الذين قد يضرون بالسوق والعملاء بحيث لا يجوز اطلاق مسمى وسيط او ممارسة هذه المهنة الا لمن تنطبق عليه الشروط.

 

 

المحامي الدكتور 

                                                                                     فواز ابو حجلة

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير