د.حسن براري يكتب : موسم الهجرة إلى الجهل
نبأ الأردن -
"في زمن الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة عملاً ثوريًا."
جورج أورويل
أستميح الطيب صالح عذرًا وأستلهم من عنوانه الشهير لأعلن عن "موسم الهجرة إلى الجهل". فمن دون شك، هناك طلب عال على الجهل، وعرض فائض أيضًا! أما الحقيقة فقد باتت سلعة كاسدة لا تجد لها موطئًا في سوق الهبل المتفشي، حتى لو عرضت مجانًا.
النقاش حول غزة صار كمن ينفخ في قربة مثقوبة، أو يشرح قصيدة وسط ضجيج موقف باصات العبدلي في ذلك الزمن الغابر، حيث كنت أتوقف هناك يوميًا، وكنت اشتري ساندويشة كباب من أحدى العربات قبل صعودي للباص والذهاب إلى الجامعة، وفوق كل هذا الضجيج، يرافق فائض الثرثرة ظل ثقيل من عجز الضمير.
وحتى يكتمل المشهد قتامةً، يظهر الإعلام ومعه الإعلام المضاد كآلات صماء تتقن التكرار ولا تعرف التفكير.
قال لي صديق يظهر معي كثيرا في المقابلات التلفزيونية: "سأعتزل هذا السيرك، لا ضعفًا، بل لأن التصفيق بات يمنح للمهرج الجاهل، الذي حول الإعلام إلى وسيلة تسلية، حتى حين يناقش الدم."
وحين تطرقنا إلى جدوى الاشتباك أو فضيلة العزلة، قال لي بمرارة: "أنا لست حياديًا حين يكون الدم فلسطينيًا، لكن الحقيقة حين تموت، لا تجد كاميرا تواسيها، ولا دمعة تسكب عليها."
نعم، في هذا الموسم، تطرح الحقيقة جانبًا، وتقدم الأكاذيب على أنها تحليلات عميقة. ونحن، إن بقينا شهودًا صامتين، نكون قد منحنا هذا الموسم شرعيته الكاملة بل ساهمنا به أكثر مما يراد له.
وهنا استذكر عبارة للفيلسوفة حنا أرندت التي كتبت عن تفاهة الشر وعن محاكمة ايخمان، وتقول: المواطن المثالي في ظل الأنظمة الشمولية ليس المتطرف، بل ذاك الذي لم يعد يميز بين الحقيقة والخيال.
أه نسيت، انصح بقراءة كتابها عن أسس الشمولية، لا أخفيكم عندما قرأت كتابها لأول مرة احسست برغبة باعادة قرائته وبالفعل قرأته ثلاث مرات في حياتي وتوقفت عند ما يلي: الشمولية ضحيتها الرئيسية هي الحقيقة، ويمكن قراءة ملامح التأسيس للشمولية ما يلي:
- اللامبالاة الأخلاقية الجماعية وهنا لا يمتلك الناس الرغبة، ناهيك عن القدرة في التمييز بين الخيال والحقيقة.
- خلق واقع بديل من خلال استخدام الدعاية المكثفة حتى يتوقف الناس عن البحث عن الحقيقة.
- وهنا الأخطر، تتفكك العلاقة بين الناس والواقع ويتحول الكذب إلى أداة للسيطرة.
خليني اتوقف هنا لأنني بدأت الكتابة من دون فكرة واضحة وأردت انتقاد الجهل والطلب عليه، لكنني استطردت وأنا أكتب ولم اسيطر على تدفق الفكرة. المعذرة على الاطالة يا اصدقائي ومتابعيني.

























