عبدالله بني عيسى يكتب : موت زباد .. أبواب حزن دفين وأحلام مهدورة

نبأ الأردن -
موت زياد الرحباني يفتح أبواباً على أحزان دفينة، أحلام مهدورة وخيبات لا تُعد. رحيله يعيدنا إلى زمنٍ كنا نظن فيه أننا قادرون على إعادة تشكيل الكون ليكون أكثر طهراً ونقاءً .. كنا نسخر من العالم ونتمرد عليه بـ " بما إنو مش فارقة" و" إنو مش مهم" و" شو هالأيام" و" ولعت كتير"..
كنا نعتقد أننا أبطال الحكاية، نعيد رسم الخرائط في المقالات والنقاشات الجانبية آلاف المرات، نلعن "الأنظمة الرجعية" والنظام العالمي الجديد والرأسمالية المتوحشة، ونرى في أنفسنا ضحايا مؤامرة كونية. لكن الحقيقة المرة أننا كنا – وما زلنا – ضحايا أنفسنا قبل أن نكون ضحايا أحد.
كبرنا فاكتشفنا أن الدول التي كنا نراها سجوناً هي أثمن ما نملك، وأننا لو أُعطينا زمام الأمور في مجتمعاتنا لزدنا فوق الخراب خراباً. كنا نظن أن التغيير الاجتماعي يبدأ من ثرثرة إنشائية بغرفة رطبة، قبل أن نكتشف أننا لم نقرأ مجتمعاتنا جيدًا، ولم نفهم أزماتها العميقة.
صفقنا لكل بندقية ترفع باسم الوطن، قبل أن نصحو على الحقيقة المرة أن كثيرين رفعوها لأفكار عبثية، وأن من راهنّا عليهم ومن أجلهم بينهم من اختُطف معنا ومع أوطاننا، وبينهم من اختَطَفنا وأوطانَنا. كنا نبرر كل أداة مهما كانت قذرة، ونغلفها بشعارات الطهر والنقاء، دون أن ندرك أننا بذلك كنا نذبح إنسانيتنا بأيدينا.
كنا مهووسين بنجوم المرحلة الثوريين، نحلم بأوطانٍ تحمي الفراشات من ألسنة اللهب، وتطعم الجياع بكرامة، وتنتفض ضد الطغيان. واليوم، لو حاكمناهم جميعاً بميزان أبسط مواثيق حقوق الإنسان، لرسبوا جميعاً. لم تعد هناك طهارة في النضال، لأن النضال نفسه خانته أدواته قبل أن تخونه أهدافه.
نحن جيلٌ أضاعته الرومانسية الثورية، جيلٌ آمن بأفكار طوباوية، وأنفق أعماراً كاملة على أوهامٍ سرعان ما انكسرت تحت ثقل الواقع ووطأة الإنكشاف الحضاري.
نودّع مع زياد ومع آخرين رحلوا كانوا أكثر تأثيراً منه ومدوا ألسنة طويلة للعالم ،كل العالم، جزءاً من حكاية شكّلتنا فكراً ودماً، فإذا بنا نكتشف أننا جميعاً شاركنا – بقصد أو بغير قصد – في كتابة مآسي هذه المنطقة، وأننا، نحن الذين رفعنا رايات الحلم، كنا جزءاً من الخراب الذي نراه اليوم.
موت زياد موتٌ لمرايا حلمٍ كنا نظنه نقياً، فاكتشفنا أنه ملوثٌ مثلنا جميعاً.