موسى الطراونة يكتب : الأردن... الحاضر دوماً رغم الغياب الكبير

{title}
نبأ الأردن -
في زمن تتبدل فيه المواقف، ويغيب فيه الكثيرون عن ميادين الواجب، يثبت الأردن مجددًا أنه ليس مجرد دولة صغيرة في المساحة، بل كبيرة في حضورها، عميقة في التزامها، راسخة في مبادئها. حضور الأردن لم يكن يومًا طارئًا أو موسميًا، بل هو حضور دائم منذ اللحظة الأولى، منسوج في ضمير الدولة والقيادة والشعب.
ففي فلسطين، وتحديدًا في غزة، حيث اشتدت المِحن وتكاثرت الأزمات، لم يكن الأردن غائبًا ولا مترددًا. كانت مستشفياته الميدانية هناك شاهدًا على موقف لا يُطلب منه التوثيق، لأنه موثق بأفعال لا تُنسى. أطباء وممرضون يسهرون على جراح الجرحى، وأدوية ومعدات تُرسل رغم كل الظروف، وقوافل إغاثية تسابق الزمن للوصول إلى من يحتاج.
وفي الوقت الذي توارى فيه الكثيرون خلف حسابات ضيقة، أو ترددوا خوفًا من اللوم أو الحساب، كان الأردن حاضرًا بالفعل لا بالشعارات. لم يبحث عن ضوء إعلامي، ولم ينتظر شكرًا من أحد، بل فعل ما يمليه عليه ضميره القومي والإنساني.
وما يُميز هذا الحضور أنه لم يقتصر على الدولة ومؤسساتها، بل كان حضورًا شعبيًا نقيًا. فالأردنيون، كل الأردنيين، لم يتوقفوا حتى هذه اللحظة عن الدعاء لأهل غزة في جميع صلواتهم، ولم يتوانوا عن التبرع بالدم، وذهب نساؤهم، وأموالهم، وبذلوا الغالي والنفيس. ولم تمر جمعة واحدة دون إقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء غزة، في كل مسجد، وفي كل مدينة وقرية، تعبيرًا عن وفاءٍ لا ينقطع، وعن موقف لا يتبدّل.
لكن المؤلم أن يُساء فهم هذا الصمت النبيل، فليس من الإنصاف اللمز أو التغاضي عن إنجازات الأردن وجهوده ومواقفه، وكأنه لم يقدم شيئًا أو لم يكن موجودًا. فهل يُعقل؟ وهل من المنطقي تجاهل تاريخ من البذل والإيثار، والعطاء والتضحية، فقط لأن الأردن لم يعلن بصوت مرتفع عن عطائه المستمر؟ لم يعاتب، ولم يغضب.
فليس من العدل نكران ما يقوم به الأردن وأبناء شعبه، وهو الذي يبذل أقصى ما يستطيع، وكأنه مسؤول وحده عن ضمائر العالم. فالإمكانات ليست بحجم التحديات، لكن العزيمة والنية الصادقة لا تنضب.
في كل محنة تمر بها أمتنا، يكون الأردن أول من يهبّ، رغم الأعباء الاقتصادية، ورغم ما يحيط به من أزمات. فكيف يُلام من لا يملك الكثير، لكنه يعطي ما عنده من قوت أبنائه وأكثر؟ وهل من العدل هذا اللمز والنكران لدولة فتحت أبوابها لملايين اللاجئين، وقدمت ما لم تقدمه دول أغنى وأوسع نفوذًا؟
نعم، لك الله يا أردن... لك الله وأنت تواجه، وتغيث، وتُساند، دون ضجيج، دون منّة، ودون توقف. سيبقى الأردن حاضرًا، ليس فقط في غزة، بل في كل ضمير حرّ، وكل وجدان عربي صادق، وكل قلب يعرف معنى الأخوّة والواجب.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير