د. وليد العريض يكتب: في بلادٍ لا تنام الحرب

{title}
نبأ الأردن -
لم يكن فجر اليوم الثاني عشر مجرد ولادةٍ جديدة لنهارٍ في الشرق الأوسط، بل كان إعلانًا هادئًا عن هدنةٍ مفروضة على شفا الإنهاك. صمتٌ مشبوه يتدلّى فوق المدن كجثة استراحت من النزف بعد حربٍ خاطفة امتدّت أحد عشر يومًا و انتهت ببيان سلام كُتب بالحبر الأمريكي… وعلى جلود الأطراف.

كل طرفٍ خرج من الحريق ممسكًا بشيء، نافخًا في رمادٍ يعتقده انتصارًا، لكن النسب لا تكذب وإن زُوّقت.
دخل الكيان الحرب بنسبة جاهزية معلنة تجاوزت 90% وواثقًا من تفوقه الاستخباراتي والجوي. أراد أن يجرّب الحرب المباشرة مع إيران، فدمّر منشآت نووية، وأصاب مطارات وقواعد، واغتال 20 قائدًا عسكريًا و10 علماء نوويين إيرانيين اعتبرهم ضربة العمر. وقدّرت مؤسساته الأمنية أن هذه الحرب أخّرت برنامج طهران النووي عامًا أو أكثر. لكن خلف هذه الأرقام، كان الداخل يتهالك: 15 ألف إصابة بين قتيل وجريح خلال الأيام الخمسة الأولى وخسائر مالية يومية تجاوزت 1.2 مليار دولار. الدرع الجوي، الذي طالما تغنّى به، أصبح موضع سخرية عالمية. وإن حاول الترويج لانتصاره فإن الخوف الذي سكن تل أبيب لن يُمحى من الذاكرة الجماعية بسهولة.
خرج بنسبة 25% من النتائج المرجوة، لكن بتكلفة بشرية ومعنوية باهظة.
أما الولايات المتحدة، فدخلت الحرب كلاعب ظلٍّ متمرس. ضربت منشأة "فوردو" باستخدام طائرات B2 التي حلّقت لأكثر من 37 ساعة بلا توقف، وأسقطت "أم القنابل" كرسالة رمزية وقوة ردع. قدّمت نفسها كدرعٍ للكيان والخليج، ثم فجأة ظهر رئيسها -الذي لم يغادر سباق الانتخابات- في هيئة حمامة بيضاء. لكن أمريكا لم تغيّر الكثير على الأرض، بل حافظت على وجودها العسكري في المنطقة وأكدت دورها كقوة ضابطة لإيقاع الفوضى.
يمكن القول إنها حققت 35% من أهدافها الاستراتيجية، و100% من أهدافها الدعائية.

ثم جاءت الحالة الثالثة، إيران... التي لم تُفاجَأ بل بدت كمن استدرج الضربة ليفحص جلده.
نُقلت المواد النووية الحساسة قبل القصف والمفاعل المتضرر قابل للإصلاح. في المقابل قصفت طهران بعنف وبراعة: استهدفت مطارات وبنايات أمنية واقتصادية في تل أبيب وكسرت استقرار الجبهة الداخلية للكيان. تزامن ذلك مع وحدة وطنية داخلية غير مسبوقة وتزايد مناصريها في العالم العربي والإسلامي. بدت إيران وكأنها استعادت شرعيتها الشعبية الإقليمية بقدر لا يقل عن 40%، وحققت 75% من أهدافها الميدانية المعلنة وسط تقديرات دولية أنها اقتربت جدًا من العتبة النووية — إن لم تكن قد اجتازتها بالفعل، مستترة خلف زلازل غامضة رجّت بعض مناطقها.
ولأول مرة منذ عقود، تحولت إيران إلى قضية رأي عام عالمي لا بوصفها "المصدر”، بل "الضحية”. مشهد تل أبيب المشتعلة أدهش الغرب أكثر مما أغضبه وبدت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر كظلٍ مهتزّ يحتاج سنين كي يقف منتصبًا من جديد.

هل انتصرت إيران؟ بنسبة تفوق 60% على الأقل مقارنةً بما خسرته.
أما الكيان فخرج بنسبة نصرٍ إعلامي مرتفع وميداني منهك لا يتجاوز 25%. وأمريكا كعادتها قايضت النار بالدبلوماسية وكسبت الظهور ولم تضحِّ بالدم.

لكن الحرب لم تنته. هذا مجرد فصل من مخطوطة الدم.

ففي الشرق الأوسط، الحرب ليست بندقية تُعلَّق على الحائط، بل فكرة تُخبز على نار المصالح وكلما استوى رغيف، جاء طباخ جديد ليقلبه.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير