د.وليد العريض يكتب: سيميائيات الهزيمة المؤجلة: قراءة في المشهد الإسرائيلي من غزة إلى طهران

نبأ الأردن -
في زمن بات فيه الخطاب الجيوسياسي عرضة للتسطيح الإعلامي تُعيد إسرائيل إنتاج سردية الصراع مع إيران بوصفها معركة وجودية محكومة بمنطق المسرحة لا الفعل الاستراتيجي الحقيقي. فصول متكررة مشاهد درامية محبوكة بدقة علاقات عامة لكنها لا تخفي افتقارها للواقعيات الصلبة على الأرض.
التمهيد: الانسحاب كحيلة خطابية
الانسحاب الإسرائيلي من غزة لا يُقرأ في سياقه الأمني فقط، بل يتبدّى كمقدمة سردية ضرورية لإعادة تركيز الصراع باتجاه "العدو الأعظم": إيران. وهنا يُعاد إنتاج خطاب الهروب بصفته مناورة عبقرية لا تحوّطًا اضطراريًا. إنها لغة تحويل الضعف إلى فضيلة، والانكماش إلى تموضع.
الاغتيال كآلية ردع مختلّة
يفترض صانع القرار الإسرائيلي أن إزاحة أفراد من المشهد الإيراني – علماء أو ضباط – من شأنها أن تُخل بتوازن المنظومة. غير أن التجربة تثبت عكس ذلك؛ فالدولة الإيرانية القائمة على مركزية العقيدة وتعدد طبقات السلطة تُعيد إنتاج كوادرها بشكل لا يسمح بحدوث فراغ مهدِّد. فالاغتيال في هذا السياق، تحوّل إلى فعل رمزي أكثر منه أداة شلّ.
الرهان على الداخل: الثورة المؤجلة
تعوّل إسرائيل ومعها دوائر غربية على ثورة إيرانية تُزيح النظام من الداخل، في استنساخ لنموذج لم يتحقق حتى بعد عقود من الضغوط. إيران بخلاف الأنظمة الكاريكاتورية التي سقطت في الربيع العربي تمثل جهازًا أيديولوجيًا مركبًا تُدمج فيه السلطة والدين والمقاومة وتُدار بمزيج من القمع والمناعة العقائدية التي لا تسمح بانهيارات فجائية.
ضرب البرنامج النووي: التبسيط التقني للصراع
السردية القائلة بإمكانية تدمير المشروع النووي بضربة جوية تُبسط ما هو أعقد بكثير. فتكنولوجيا التخصيب لم تعد حكرًا على منشأة يمكن تدميرها بل هي منظومة موزعة جغرافيًا وعقليًا، جزء منها تحت الأرض، والآخر في العقول والبرامج والخبرات. إن وهم المطرقة الجراحية يعجز عن اختراق شبكات العمل الإيرانية المرنة والمتكيفة.
فوبيا القنبلة: ذُعر أكثر منه تحليل
منذ عقدين تواصل إسرائيل التحذير من اقتراب إيران من نقطة اللاعودة. ومع كل تأجيل، يتحوّل الخطر إلى خطابٍ استنزافي يهدف إلى حفظ حالة التأهب السياسي أكثر من كونه تعبيرًا عن تهديد فعليّ داهم. الذعر هنا ليس وليد تقدير استراتيجي دقيق بل نتيجة بنية ذهنية اعتادت بناء السياسات من داخل صندوق الخوف.
وختاما هدنة بلا مضمون
المشهد الأخير غالبًا ما يتكرّر: مفاوضات اتفاقات مؤقتة بيانات ختامية ثم عودة إلى المربع الأول. إيران التي تُتقن لعبة الوقت و تُجيد تحويل المفاوضات إلى أداة لتثبيت مكتسباتها بينما تنظر إسرائيل إلى الطاولة بوصفها منصة ضغط وليست مساحة تسوية.
خلاصة: إيران كفاعل استراتيجي لا كهدف إعلامي
المقاربة الإسرائيلية لإيران تظل حبيسة التصور المسرحي للصراع: بطل وخصم ومشاهد مشوقة. غير أن الفاعل الإيراني لا يتحرك وفق هذا النص. إنه يكتب نصّه يوزّع مشاهده، ويعيد صياغة قواعد اللعبة على نحو يُربك المخرج الإسرائيلي. وفي عالم السياسة من يكتب النص يملك الخاتمة.