د. وليد العريض يكتب: ركن الغابة 4 ..حين زارنا مخلوق الرمال

نبأ الأردن -
في صباحٍ نديّ استيقظتُ أنا الغابة على نداء عصفورٍ مذعور.
كان يصرخ من أعلى شجرة السرو:
"أيتها الأمُّ الكبر ى هناك غريبٌ في الغابة!
جففت ندى أوراقي وشددت جذوري وقلت بلطفٍ خائف:
من هذا الذي يقتحمني دون إذن؟
قال العصفور: جاء من جهة الصحراء، لا يحمل بذوراً ولا ماء بل يحمل الحقائب والابتسامات.
سرت همساتٌ بين الأشجار.
الصنوبرةُ همست للزيتونة:
أهو تاجر؟
قالت الزيتونة وهي تهز أوراقها الكثيفة:
"بل هو أكثر خبثًا من النمل الأبيض.
دخل مخلوق الرمال إلى الغابة.
كان صغيرًا لامعًا يفوح منه عطرٌ اصطناعيّ
يمشي على أطراف أصابعه ويلقي التمر والهدايا على الحيوانات.
ضحكت الثعالب ورقصت الضفادع وانحنت بعض الأشجار له،
أما أنا فشعرتُ بقشعريرةٍ في لحائي.
في البداية زرع أبراجًا زجاجيةً بين أغصاني
ووعد العصافير بمنازل مكيفة
وأغرى الأرانب ببطاقات سفر نحو الجزر
وبنى لأسود الغابة أقفاصاً ملوّنة سماها قصوراً.
لكن شيئًا فشيئًا
بدأت الرياح تحمل أسرارًا:
شجرة النخيل على شواطئ بلد الشافعي وجدت آلة تجسس مدفونة تحت جذورها.
الطائر الأزرق جوار ابا القاسم الشابي التقط شيفرة مشبوهة في ريش أحد الغربان.
الصقور في مغرب الشمس اكتشفت عيونًا صغيرة في أعشاشها.
اللبؤات في حديقة خرطوم الفيل صرخن فجأة: من أخبر الضباع عن أوكارنا؟
وتوالت الفضائح
كلما قبضنا على جاسوسٍ بين الأغصان
كان يحمل توقيع الرمال.
اجتمعتُ بكل أطفالي: الزيتونةو النخلةو السرو والغزال والنسر، والبلبل
وقلت:
هذا المخلوق ليس منا
لا يسكن بيننا إلا لينقل أسرارنا
ولا يبتسم لنا إلا ليزرع الخناجر في ظهورنا.
قالت النخلة: لكنّه صغير!
قلت: والسمّ لا يحتاج حجمًا كبيرًا.
قال البلبل: يقول إنه جاء من أجل السلام!
قلت: وكل خائنٍ يضع ريش سلامٍ على رأسه كي لا يُكشف.
قررنا أن نطرده.
لكن المفاجأة أن بعض الأشجار كانت قد باعت جذورها له!
وبعض الأسود شربت من مائه حتى أدمنته!
وبعض الطيور أصبحت تغني له كل صباح!
كنتُ عاجزة.
أنا الغابة الأم خذلني بعض أبنائي.
وفي المساء وقفت على أعلى تلة
ورفعت صوتي في وجه الريح:
أيها الغريب لن تبقى طويلاً.
فالطبيعة تكره الخداع،
والغابة وإن خضعت لا تموت.
وفي يومٍ ما ستسقط قصورك الزجاجية
وسيبصقك المطر
وتهشّمك جذورنا."
وساد صمتٌ رهيب…
ثم هبّت عاصفة.