د.حسن براري يكتب : عبدالرؤوف الروابدة: سياسي بفكر عميق وسردية وطنية شاملة
نبأ الأردن -
عبدالرؤوف الروابدة هو شخصية سياسية وفكرية تركت بصمة لا تُمحى في المشهد الأردني. لا أدّعي صداقته الشخصية، إذ اقتصرت معرفتي به على لقاءات محدودة في مناسبات اجتماعية أو مقابلات معدودة في مكتبته الغنية بالكتب في منزلة بشفا بدران، التي تُعبّر عن ولعه العميق بالمعرفة. كل لقاء معه كان مناسبة لاستكشاف عمق تفكيره السياسي وذكائه الذي يظهر في كل كلمة وحركة.
الروابدة هو قارئ نهم وسياسي مجنك، تقلب في مناصب مختلفة عبر مراحل مختلفة من تاريخ الأردن، ما منحه قدرة فريدة على تقديم سردية شاملة للدولة الأردنية، كما أظهر مؤخرا في منتدى المرحوم الدكتور محمد الحموري. سرديته لا تنبع فقط من تجربته السياسية فحسب بل من قراءاته العميقة التي تنعكس في أحكامه الصارمة ودروسه المُلهِمة لأجيال المستقبل.
أدرت ندوة بنادي حسبان الرياضي قبل عقدين أظهر فيها الروابدة شجاعة فكرية في مناقشة موصوع الهوية الأردنية، متصدياً لمحاولات اختطافها في قوالب ضيقة. لم يكن يوماً ممثلاً لهوية ضيقة أو باحثاً عن مكاسب شعبوية، بل جسّد نموذج السياسي الذي يضع الهوية الوطنية فوق كل اعتبار، مدافعاً عن إرث الأردن السياسي والثقافي. في ذلك اللقاء تعمدت استفزازه - من خلال لعب دور محامي الشيطان - حتى يتحدث بصراحة أو ليسمي الاشياء بمسمياتها وفعل.
لا شك أن السيد عبدالرؤوف الروابدة ليس بمنأى عن الخصوم السياسيين، وليس معصومًا من الأخطاء التي وقعت خلال فترة توليه رئاسة الحكومة، وهذا أمر طبيعي يرافق أي مسؤول يتعامل مع تحديات الحكم وإدارة الشأن العام. ولا أخفي أنني لم أكن من مؤيدي خطه السياسي لفترات طويلة، إلا أن ذلك لا ينتقص أبدًا من أهميته ودوره في صياغة المشهد السياسي الأردني. في بلد بات يعاني من غياب السياسيين الحقيقيين وصعود نخب مصطنعة لا تدرك حتى أبجديات تاريخ الأردن، يبقى الروابدة نموذجًا للمسؤول الذي يمتلك إرثًا فكريًا وتجربة عملية تُثري النقاش الوطني وتلهم الأجيال الجديدة.
أدعو دولة الروابدة لكتابة مذكراته، لكن برؤية نقدية تقيّم التجربة وتثري الوعي الوطني وليس لتجميلها وبعيداً عن السردية التقليدية. تلك المذكرات ستكون إرثاً تاريخياً للأجيال القادمة.

























