علا الشربجي تكتب: التفكيك الناعم لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن: ضرورة سياسية لحماية الاستقرار الوطني

نبأ الأردن -
تهديد مستمر في لحظة حاسمة
في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، واشتداد التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة، لم يعد من الممكن التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن كجزء طبيعي من المشهد السياسي. فالتنظيم الذي لطالما تماهى مع أجندات خارجية، وتجنب الاندماج الحقيقي في المشروع الوطني، أصبح عبئًا على الدولة والمجتمع، بل عاملًا مهددًا للاستقرار العام، سواء عبر خطابه المزدوج أو تحركاته الرمادية في هذه اللحظات الحاسمة.
الإخوان والدولة علاقة ملتبسة منذ البداية
منذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي، حافظت الجماعة على علاقة مع الدولة الأردنية تتراوح بين التحالف الحذر والاختلاف المدروس. لكنها لم تقدم نفسها يومًا كمكوّن وطني مستقل، بل كفرع من تنظيم دولي يحمل طموحات أيديولوجية تتجاوز الحدود. هذا ما ظهر بوضوح في مواقفها أثناء الأزمات الوطنية، حيث قدّمت مصلحة التنظيم على مصلحة الدولة، وتجنبت اتخاذ مواقف حاسمة حين كانت اللحظة التاريخية تستدعي الوضوح.
بعد "تسونامي الربيع العربي"سقطت الأقنعة
مع صعود موجة "الربيع العربي”، حاول الإخوان في الأردن ركوب الموجة. بدوا كمن يتحيّن الفرص للانقضاض على الدولة، لا كمن يسعى للإصلاح. وتكررت تجاربهم التي أظهرت انفصالهم عن نبض الشارع الأردني الحقيقي، وانسجامهم التام مع خطاب جماعاتهم الأم في الخارج. وعندما بدأ العالم العربي يتجه نحو إنهاء هيمنة التنظيمات العابرة للحدود، ظل الإخوان في الأردن أسرى فكر قديم، وعزلة شعبية متزايدة.
ما بعد المخطط الإرهابي: الحاجة لقرار سيادي
المطالبة بإنهاء الوجود التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين لا تنبع من رغبة في الإقصاء، بل من حاجة وطنية لحماية هوية الدولة. فالمشروع الأردني اليوم يتجه نحو التحديث السياسي، وتوسيع المشاركة، وترسيخ مفاهيم الدولة المدنية، وهذه كلها مفاهيم تتعارض جذريًا مع الفكر الإخواني الذي يقوم على تنظيم طولي هرمي، لا يؤمن بالمواطنة المتساوية إلا شكليًا.
بين الفرد والتنظيم: لا تخلطوا الأوراق
من المهم التوضيح أن الحديث عن إنهاء الوجود التنظيمي لا يستهدف الأفراد المنتمين للجماعة كمواطنين أردنيين، لهم كامل الحقوق. بل يستهدف البنية التنظيمية والسياسية التي تعمل ككيان موازٍ، ويمارس أدوارًا تتجاوز القانون والمؤسسات، وتنتهج خطابًا مزدوجًا يضر بمفهوم الدولة الواحدة.
البديل: تفكيك ناعم أم استيعاب مشروط؟
ثمة من يرى أن المواجهة المباشرة مع الإخوان قد تكون ذات كلفة عالية، ويفضلون استراتيجية "التفكيك الناعم”، من خلال سحب الشرعية السياسية تدريجيًا، ومراقبة التمويل، وتشجيع الانشقاقات الداخلية. آخرون يقترحون نهجًا أكثر توافقية: استيعاب مشروط يسمح للجماعة بالبقاء ضمن النظام السياسي مقابل التزامها العلني بالثوابت الوطنية ورفضها القطعي لأي شكل من أشكال العنف أو الارتباطات الإقليمية المشبوهة.
تنظيم لا يعترف بالدولة إلا عند الحاجة
الإخوان لم يكونوا يومًا جزءًا من المشروع الوطني الأردني الحقيقي. لقد استخدموا مؤسسات الدولة منبرًا للوصول إلى الناس، لكنهم لم يندمجوا فعليًا في الدولة. تعاملوا معها كـ”مركبة” توصلهم لمآربهم، لا كهوية ينتمون إليها. وفي كل لحظة حاسمة، يظهر خطابهم الغامض، المتردد، المتواطئ أحيانًا، ليكشف أن ولاءهم للتنظيم يسبق الولاء للوطن.
لحظة القرار الوطني و اعادة البوصلة الوطنية
الأردن ليس في خصومة مع فكر أو تيار، لكنه اليوم أمام مفترق طريق وطني يتطلب الحسم. والاستمرار في السماح بوجود تنظيم سياسي ديني مرتبط بأجندات خارجية، ويحمل مشروعًا لا ينسجم مع تطلعات الدولة الحديثة، هو تجاهل لحجم التهديد الحقيقي.
إن "التفكيك الناعم”لتنظيم الإخوان المسلمين، أو إنهاء وجوده ككيان سياسي مؤسسي، لم يعد ترفًا سياسيًا، بل "ضرورة سيادية” لإعادة ضبط المشهد الوطني على أساس الولاء المطلق للدولة، لا للتنظيم.
إنهاء وجود الإخوان في الأردن ليس قرارًا أمنيًا فحسب، بل خطوة سياسية ضرورية لإعادة ضبط البوصلة الوطنية. لا يمكن بناء مستقبل مستقر في ظل وجود تنظيم يتغذى على الانقسام ويعيش على الشعارات. حان الوقت لأن يُغلق هذا الملف، إلى غير رجعة.
لقد حان الوقت لقرار تاريخي: إغلاق هذا الملف، لا كاستجابة لحظة، بل كخطوة تأسيسية نحو أردن جديد – دولة واحدة، بمرجعية واحدة، لا تقبل بتنظيمات داخل الدولة، ولا بولاءات تتقاطع مع خارطة الأمن القومي الأردني.
https://www.facebook.com/share/p/196Jvr7rJs/?mibextid=wwXIfr