باسم سكجها يكتب : حبيبتي فدوى، من ماركة برتقال إلى قلادة فيروزية

{title}
نبأ الأردن -
ربطتني بها علاقة غير عادية، فقد مثّلت لي صورة التمرّد منذ كانت في شبابها، وكنتُ حينها  أنتقل من الطفولة إلى الصبا، وعشنا معاً لسنوات في بيتنا في القُدس.

كانت معلّمة في مدرسة خولة بنت الأزور، وكُنت تلميذاً في مدرسة القُدس الابتدائية، ولا يفصل بين المدرستين سوى سور صغير، وتعمّدت إدارة التربية ألاّ تكون "الفرصة/ الاستراحة" في الوقت نفسه، لسبب واضح هو عدم تنمّر الطلاب على الطالبات.

كان ذلك المربّع يضمّ "دار الطفل" وبعض جمعيات خيرية كانت عضوة فيها جميعها، وحين كان إسم نزهة يونس الحسيني يطنّ ويرن في أنحاء القُدس كنُت أعرف أنّ هذه المديرة الأيقونة صديقة فدوى.

كتبتُ عن خالتي فدوى في "أنا، ولكنّ!" حين استعرضتُ أسماء بنات جدّي مسعود، وقد استبشر خيراً بها فسمّى ماركة برتقال كان يُصدّره إلى أوروبا "فدوى"، وحين قرأت الكتاب، وشاهدت الصورة التي نشرتها للبرتقالة لم تدمع، إلاّ كثيراً.

قَرَّرَْت في يوم أن تقتني سيارة، فاشترت بحرّ مالها سيارة "فوكس فاجن/ خنفساء"، وتعلّمت السواقة بقدر ما يمكّنها الوصول إلى المدرسة القريبة، والقُدس أصلاً كانت صغيرة، ولكنّ كان على الإحتلال أن يأتي، فتركتها على رصيف في رام الله، وشاهدناها معاً، بعد نحو سنة، وقد مرّت دبابة إسرائيلية عليها، وتدمّرت، ولم تدمع!

تلك السيارة كانت ثورة نسوية على الواقع، لأنّ مسعود لم يكن يعرف، فهو يعيش في عمّان ونحن في القُدس، ولكنّ مسعود نفسه هو الذي اختصها بمعرفة أنّه يخبئ سبعة عشر ألف جنيه فلسطيني في جسم الثلاجة، تحسباً لطوارئ الدنيا كما جرى مع الهجرة، وتلك قصّة أخرى!

كان من المعلومات العامة في العائلة أنّ علاقتنا، فدوى وباسم، لا تحتمل التدخّل، فقد اعتبرتني ولداً لها وهي لم تنجب، واعتبرتها لي أمّا ثانية، ورحم الله أمّي التي لم تخف أنّها تغار من هذه العلاقة، لأنّ أسراري كانت عند فدوى وأسرارها ظلّت عندي في الحفظ والصون!

كانت تخصّني بالهدايا حين تسافر، وفي يوم أحببتُ حجر فيروز ضمن قلادة ذهبية متواضعة، وأنا أهمّ بالعودة من دراستي في مصر، قبل نصف قرن، فاشتريتها ضمن موازنتي، وأهديتها لها، ولا أذكر أنّها شكرتني حينها، ولكنّها ذكّرتني بها قبل فترة قليلة، وبعثت لي بصورتها!

دفنّا اليوم فدوى، في سحاب، على مقربة من قبر أمّي ليلى، فها هو الُعمر يمضي ليذكّرنا بما لنا وما علينا، وبقصص حبّ تبدأ بماركة برتقالة، ولا تنتهي بقلادة فيروزية، وتبدأ يافا وتتواصل إلى القُدس فعمّان، وصولاً إلى قبر، وربّما عليّ أن أستذكر آخر مكالمة بيننا واصرارها على أنّ غزّة ستنتصر، وللحديث بقية!
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير